جاءت آثار الضربات الأمريكية التى استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، وتباهى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محدودة للغاية، بحسب المحللين السياسيين الذين اعتبروها صممت مخصوصا لكي تنهي الحرب وليس كما يشاع أنها بداية لصراع جديد بين واشنطن وطهران.
الضربة الأمريكية التي نفذت فجر اليوم واستهدفت المفاعلات النووية في فوردو ونطنزوأصفهان، زعمت واشنطن أنها قضت تماما عليها، لكن من غسر المعقول أن تصدق الرواية الأمريكية إلا إذا نقلت طهران المواد الحساسة قبل الضربة، وهو ما يشي في الوقت نفسه أنه جرى التنسيق بينهما قبل الضربة أو أن التقديرات الاستخباراتية في إيران قد حصلت على معلومات مسربة عنها مسبقًا.
وتعليقا، قال الخبير في الشأن الإيراني طارق دياب، أن غلب التحليلات تتحدث عن أن الضربة صممت لكي تنهي الحرب بدليل إخلاء إيران لمنشآتها النووية من المواد الحساسة، وبالتالي فهي لن تكون في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة وستحاول إنهاء الحرب بضربة نوعية لإسرائيل تحفظ بها ماء وجهها. لكن في المقابل، يجب الإشارة لعدد من النقاط:
أولا، غير مؤكد إذا ما قامت فعلا إيران بإخلاء المواقع النووية من المواد الحساسة والمهمة، خاصة وأن هذه المواقع أكثر أمانا من غيرها في ظل اختراق الموساد للجغرافيا الإيرانية. وحتى ولو تم إخلاء المواقع من المواد الحساسة فعلا وهي الأهم، فهل ما تبقى من المشروع في هذه المواقع من منشآت وبنى وهياكل وأجهزة تستثمر فيها إيران لمدة عقود، تم تدميره أم لا؟ ومدى تأثير تدميره على مستقبل المشروع النووي؟ وإذا تم إخلاء المواد الحساسة من يورانيوم مخصب وغيرها، فهذا يعني أن درة المشروع النووي مازال قائما، حتى وإن تراجع المشروع لسنوات جراء هذه الضربات وهو متوقع، فهل ذلك سيرضي إسرائيل ويطمئنها.
وأضاف :” هذا قد يكون كافيا للولايات المتحدة مرحليا، لكن لن يكون كافيا لإسرائيل لا مرحليا أو مستقبليا، وبالتالي استمرار الحرب وكأن شيئا لم يكن. ووفق هذا التحليل، قد نشهد استمرارا لحرب استنزاف بين إيران وإسرائيل على أن تكتفي أمريكا بضربة الليلة دون رد إيراني، وتقتصر على الدعم اللوجستي لإسرائيل، إلا إذا تعرضت الأخيرة لخطر وجودي جراء ضربات نوعية إيرانية، أو تعرضت مصالح الولايات المتحدة في المنطقة لضربات إيرانية انتقامية.
ثانيا، إنهاء الحرب على هذا النحو، يعني عقد اتفاق أقرب لاتفاق استسلام، ستستكمل به الولايات المتحدة عملية القضاء على المشروع النووي، وهو الأمر الذي لن يقبل به الإيرانيون، كما ستتجه إسرائيل لاستكمال عملية القضاء على بقية الأذرع الإيرانية في المنطقة، وستبدأ بحزب الله. وبالقضاء على أذرعها الإقليمية ومشروعها النووي، يصبح بقاء النظام الإيراني بدون مشروع حقيقي، لتسقط معه هويته المركزية، وسيكون تباعا عملية إسقاطه من الداخل مسألة وقت في السنوات المقبلة، عبر عملية استنزاف تدريجية للنظام بالتخريب الاستخباراتي والفوضى الأمنية في الداخل الذي ستنكفأ عليه إيران بعد هذه الضربات.
واستطرد :” لذلك لكي تتجنب إيران هذا السيناريو، ستكون مجبرة على أن توجه ضربة نوعية ليس فقط لإسرائيل وإنما أيضا للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة قبل أن تقرر الجلوس للتفاوض. وهو مسار محفوف بالمخاطر أيضا، لكنه طريق سلكته إيران ويجب أن تسير فيه إلى النهاية، لأن إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر لم تعد ترضى بأنصاف الحلول والانتصارات الجزئية، لذلك من المرجح أن تستمر إسرائيل في ضرباتها ولا تكتفي بما حدث هذه الليلة إلا إذا وافقت طهران على اتفاق أقرب للاستسلام. وبالتالي ما ستظنه إيران إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعها بالتراجع والتنازل والاتفاق سيكون المدخل للقضاء عليها. أما فتح الصراع فعلى الأقل سيفتح لها الباب لأكثر من سيناريو إما الهزيمة المطلقة السريعة أو بقاء المشروع في حده الأدنى إذا ما صمدت عبر فتح جبهات إقليمية ورفع تكلفة المواجهة على الجميع في مياه الخليج والنفط والمضيق والقواعد الأمريكية وحينها يمكن لها أن تجلس للتفاوض وليس الآن.
أخيرا، من المبكر ترجيح سيناريو معين قبل سماع أول تصريح رسمي إيراني على هذه الضربة ومعرفة النتائج الحقيقية لها وكيف سترد عليها.
من جهته اعتبر السفير محمد مرسي، نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، أن الخيارات المتاحه أمام إيران بعد الضربه الأمريكية لمنشآتها النووية قد تتمثل في أن تقوم إيران الآن بتقييم ميداني لمدي حجم خسائرها قبل تحديد خطوتها القادمة، وهو أمر طبيعي في هكذا ظروف.
وأضاف أن معظم خيارات إيران في تقديره المبدئي ستنحصر في الآتي:-
أولا:- الرد السريع والعنيف علي المصالح والقواعد والسفن الأمريكية في المنطقه. مع تكثيف الهجمات الصاروخية علي إسرائيل، ومن شأن هذا الخيار عودة دخول أمريكا للحرب وضرب إيران مجددا، وغالبا تأتي هزيمتها الكامله وإسقاط نظام الملالي.
الخيار الثاني:- هو محاولة إيران إظهار محدودية تأثير الضربة الأمريكية علي برنامجها النووي، وبالتالي التمهيد لعدم اتخاذ رد فعل تصعيدي كبير خاصة ضد المصالح والأهداف الأمريكية، مع مواصلة القصف الصاروخي لإسرائيل، إذا ما استمرت الأخيرة في هجماتها علي إيران وذلك لفترة قد لا تطول كثيرا، أي خيار محدود يمكن احتوائه.
الخيار الثالث هو إغلاق مضيق هرمز، وكذا باب المندب من خلال أنصار الله الحوثيين.
الخيار الرابع:- العودة لمائدة التفاوض والدخول في محادثات دبلوماسية بمساعدة أطراف أخري تمهد لمدخل يحفظ بعضا من ماء وجه إيران، مع استمرار التواصل مع الحلفاء والأصدقاء والمؤسسات الدولية لفضح أمريكا وإبراز مخالفتها للقانون الدولي ولاتفاق الضمانات الخاص ببرنامجها النووي الذي يضمن حماية هذا البرنامج طالما ظل خاضعا للتفتيش بمعرفة خبراء وكالة الطاقة الذرية.
ويرى السفير محمد مرسي، أن للإيرانيين خبرات طويلة ونفس أطول وطابع لا يخلو من براجماتيه قد يدفع إيران للإنحناء للعاصفة إلي حين، وتفادي بديل التصعيد واحتمالات الهزيمة وسقوط النظام.
وهذا قد يمكن إيران مستقبلاً من استئناف برنامجها النووي، وتستطيع إيران مواجهة الضغوط الداخلية بالإستناد إلي النجاحات التي حققتها في مواجهتها مع إسرائيل وضرب قلب المدن الكبري هناك علي مدي عشرة أيام من الحرب، وهذا الخيار هو في رأيي أفضل البدائل المتاحه حاليا أمام إيران.
الكاتب والمحلل السياسي جمال سلطان، يرى أيضا أن ترامب أرسل إشارات طمأنة لإيران بانتهاء الحرب من طرفه، وأنه لا ينوي التصعيد كما يحمل كلامه إشارة إلى أن إسرائيل أيضا ستوقف هجماتها، مع تهديد باستئنافها بصورة أعنف إذا حاولت إيران الرد.
وأضاف :”إيران الآن بين خيارات كلها صعبة، وقرارها المنتظر اليوم سيكون مصيريا للنظام كله”.
واستطرد :” كل شيء في الضربة الأمريكية لم يكن مفاجئا، فالتحركات العملية خلال الأيام والساعات الأخيرة، كانت واضحة رغم التمويه الكلامي، وهذا يؤكد أن البلطجة الأمريكية هي “القانون” الوحيد الثابت في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، منذ قصف المدن اليابانية بالقنابل النووية وحتى اليوم”.
واختتم :” نتائج هجوم اليوم ستبقى غامضة، لا يمكن الوثوق في كلام ترامب، لأنه يختلط فيه التهريج بالاستعراض السينمائي، ونادرا ما تأخذ منه معلومات صحيحة أو صادقة، كما لا يمكن الوثوق في البيانات الإيرانية، لأنها لا تقل سخافة عنها، مصير هذه الحرب سيتحدد اليوم وفقا للرد الإيراني”.