الكتاب: الصامتون يتكلمون
المؤلف: سامي جوهر
صدر الكتاب عام 1975، ويُعد جزءًا من أعمال سامي جوهر الصحفية.
يضم شهادات حقيقية لـ”أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو” الذين انحرفوا عن المشهد الرسمي لحكم عبد الناصر، مثل: كمال الدين حسين، حسن إبراهيم، وعبد اللطيف البغدادي.
يوثّق حقبات مظلمة ومحرّمة من تاريخ حكم عبد الناصر، بما في ذلك ممارسات القمع، العبث بالحكم، وغموض اتخاذ أرباب القرار.
أبرز المحاور والمضامين
القمع والوصاية
يعرض تجارب الاعتقالات التعسفية، مثل توقيف كمال الدين حسين بسبب صياغته خطابًا بسيطًا (“اتق الله”).
توثيق كيف تحوّلت ثورة التحرير إلى “ثورة إرهاب” بحسب وصف حسين، حيث أصبح أي رأي مخالف مهدّدًا بالسجن.
عبث اتخاذ القرارات
الشواهد تُظهر أن مؤسسي الدولة الحقيقية كانوا مجموعة من الأشخاص خارج أطر الدولة الرسمية، معروفون بـ”العزبة”.
خوفهم من الأزمات كان شديدًا، مع نقاشات غير منهجية؛ مثل بيانهم بانتصار وهمي بعد النكسة رغم الجاهزية المزيفة.
نكسة 1967 وأكاذيب إعلامية
وضع العمليات كان كارثيًا؛ حيث كانت تصريحات مثل “أسقطنا 200 طائرة” محض تلفيق حكومي حسب شهادات عبد الحكيم عامر وباقي القادة.
عبد الناصر طلب التخفيف من المبالغة في الأرقام كي لا يُكتشف حجم الكارثة.
غياب الدولة الحقيقية
يثبت الكتاب أن النظام كان بعيدًا عن تعريف الدولة الحديثة؛ القرارات تُتخذ دون وثائق رسمية أو سجلات واضحة (مثل محاضر مجلس الثورة المفقودة).
حرية التعبير كانت محدودة، والحكم أقرب إلى حكم العزبة منه إلى حكم دولة بنظام مؤسساتي.
أسلوب الكتاب
يعتمد على شهادات مباشرة (“شهادات الصامتين”) قام بها جوهر عبر لقاءات ومقابلات.
تقديم سرد شبه صحفي لا يخلو من جرأة، يفضح حقائق صادمة عن إحدى أهم فترات تاريخ مصر الحديث.
أهمية الكتاب
يدفع القارئ لإعادة النظر في المرحلة الناصرية، ليس فقط كنظام محبوب كما يعتقد البعض، بل كمرحلة مليئة بالاستهتار بالحقيقة وتحكم قمعي.
يذكّرنا بأهمية الدولة كمؤسسات وقانون، لا كمجموعة سلطوية سرية.
يُعتبر وثيقة ضرورية لفهم أزمات النكسة، وتصحيح الرواية التاريخية الرسمية.
“الصامتون يتكلمون” هو بيان صادح من داخل السلطة؛ يكشف كيف يمكن لصوت الأقوى أن يخفي الحقيقة، وكيف يحكم الاستبداد بدون حساب، ويغيّب الدولة لصالح “العزبة.”
كمال الدين حسين
كان من أبرز قادة الضباط الأحرار (وزير التعليم والداخلية، نائب رئيس الجمهورية)، مرتبطًا فكريًا بالإخوان سابقًا.
في 4 مارس 1964، التقى بالنظام في جنازة، ودار لقاء دام 8 ساعات شارك فيه عبد الناصر، البغدادي، عامر ومحمد حسنين هيكل، تناول فيه ملف اليمن، والميثاق الاشتراكي مقابل الإسلام، فاعترض حسين:
“…أنه يعترض على الاندفاع لتطبيق الاشتراكية، معلنًا أن ذلك سقوط في هوة الشيوعية…”
اتُهم بتوزيع كتاب سيد قطب “معالم في الطريق”، ورد عليه:
“لم ولن أتردد … لأن ما فيها يعبر عن رأيي.”
استقالته المتكررة في 1962–1963 كانت احتجاجًا لكن عبد الناصر أقنعه بالعدول.
حسن إبراهيم
كان مسؤولًا رفيعًا داخل النظام؛ نقل جوهر عنه معلومات حول تواطؤ شمس بدران مع رشوان فهمي أثناء الأزمة مع عامر وعبد الناصر.
قال إن الثورة جلبت “طبقة من المماليك الجدد” لا تؤمن بالديمقراطية بل بـ”إطاعة الأوامر والتقيد بالزي العسكري.”
رأى في عبد الحكيم عامر نموذجًا للفوضى المدبرة:
“… كان كلما خسر حربًا انتقل إلى رتبة أعلى، هذا أقصر طريق إلى الكوارث القومية.”
عبد اللطيف البغدادي
كشف كيف استخدم النظام سجن القلعة للحبس والتعذيب السياسي، خاصة للإخوان، وشارك البغدادي تجربة هذا القمع.
نُقلت عنه شهادة مفادها:
بعد نكسة 1967 “..قال البغدادي: نحن ضيعنا البلد. إنه ليس أمام مجلس الثورة وأعضائه إلا أن ينتحروا… وطلب سيانور البوتاسيوم لتوزيعه بين الأعضاء.”
موضوعات إضافية تناولها الكتاب
حملة 1965 على الإخوان: تُتهم زورًا، والزج بالآلاف إلى المعتقلات والسجن الحربي ومعتقل القلعة.
قمع حرية التعبير: تشويه الكتّاب والفنانين وخطب العلماء، مثل اعتراض “أبو زهرة” على أعمال نجيب محفوظ، وتحويل المعارضة فكريًا إلى مجرد تهم.
فوضى القرار العسكري: تحول مؤسسات الدولة إلى أدوات يديرها “العزبة”، والكثير من القرارات تُتخذ بلا سجلات أو محاضر رسمية.
أسلوب الكتاب
سرد توثيقي معتمد على شهادات مباشرة من الضباط أنفسهم، بأسلوب يشبه التحقيق الصحفي، ينقّب عن الحقائق الكامنة خلف السلطة.
يكشف عن التناقضات بين الخطاب الرسمي والشهادة الحقيقية للشهود.
الأهمية التاريخية
الكتاب جزء من سلسلة وثائق تكشف الوجه القمعي للحقبة الناصرية، ويعزز الوثائق مثل مذكرات نجيب وكتب القرضاوي، الحمامصي، وعنبر…
يعد مصدرًا مهمًا لفهم كيف يمكن للثورة أن تتحول إلى نظام استبدادي، وكيف تُدار السلطة بعيدًا عن الأطر المؤسساتية والقانون.
خلاصة
“الصامتون يتكلمون” يكشف عن مراحل تحوّل نظام يوليو من ثورة تحررية إلى جهاز سلطوي قائم على القمع، السجون، إدارة السر والوصاية، فردية القرار، واستبعاد الأصوات المعارضة. من خلال شهادات: كمال الدين حسين، حسن إبراهيم، وعبد اللطيف البغدادي نرى رواية مختلفة عما يُروّج في الرواية الرسمية.