تسربت إلى يدي في الأيام القليلة السابقة المسودة الأخيرة المطروحة للتوقيع من قبل العلماء والمجاميع والروابط الإسلامية، وهي تحت عنوان:
ميثاق علماء الأمة حول طوفان الأقصى وتداعياته.
وقد اطلعت على مواد الميثاق وهي 86 بندا، ووضعت ملاحظاتي الكثيرة الابتدائية عليها، حيث أعتقد أن ثلثها على الأقل بحاجة إلى مراجعة وتصويبات شرعية ونزاهة سياسية، إضافة إلى بنود يجب أن تشطب وتزال لما فيها من أخطاء شرعية ولوثات جاهلية، وتلبيس للباطل حقا!
وإنني من باب المسؤولية الشرعية والتاريخية تجاه قضية فلسطين الجوهرية والتي هي من أهم قضايا العرب والمسلمين، وأشدها تأثيرا في واقع الأمة، وجزء من عقيدة المسلمين، علاوة على أنني معني بها كابن فلسطين، وعلى دراية بكثير من خفاياها كمنتم للمسار الإسلامي وقريب من المسار الوطني، ولصيق بشعبي الكريم أقول:
أولا: إن صياغة بنود الميثاق فيها ادعاء للعصمة لا تليق ولا تجوز إلا بالأنبياء والمرسلين، الأمر الذي تصطبغ به كثير من المواد ومجمل الميثاق، علاوة على أسلوبها المستكبر والذي يتضمن ترهيبا للعقول وحجرا لها عن النظر والتفكر الحر والمتجرد!
ثانيا: من الواضح أن القائمين على الميثاق يريدون تنزيه قيادة حركة حماس باعتبارها الطرف المعلن الذي أطلق الطوفان وقرر عملية 7 أكتوبر، وابعادهم عن أي مساءلة ومراجعة تاريخية، لاسيما والحقبة الحالية قد تشهد انتهاءهم وظهور شيء جديد، بعد أن قسمت عملية 7 أكتوبر ظهورهم وتسببت بذبح أهل غزة وإهلاك شعب فلسطين وإتلاف القضية!
ثالثا: إن مضامين الميثاق لا تقدم حلا ينقذ فلسطين ويصوب مسار القائمين، بل هي محاولة انقاذ معنوي لحركة حماس التي ضلت الطريق ووصلت إلى نهاية النفق المسدود، وذلك بسبب منهج سياسي مختل وتنظيمي مستكبر لا يؤمن بالشراكة الحقيقية بل يعتقد بعقيدة اللون الواحد وذلك منذ عقود!
رابعا: إن مصطلح الطوفان فيه إشكال سياسي وأخلاقي يرتبط بطبيعة التجربة التي ربطت بين قدسية الأقصى ووجوب الجهاد لدحر المحتلين، وبين المشروع الإيراني الطائفي الاحتلالي الذي اجتث المسلمين وحطم كل قدراتهم وفكك دولهم وجيوشهم في محيط فلسطين القريب والمتوسط لصالح توسع نفوذه بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، ولأن من أطلق الطوفان هو حليف سياسي لإيران فقد أصبح هذا المصطلح ملوثا ولا يجوز تصديره للأجيال القادمة، فهذه كتابة مكذوبة ومؤدلجة ومزورة للتاريخ، لا يقبل بها الصادقون المستأمنون!
خامسا: أهيب بالعلماء الأفاضل الذين أعرفهم ويعرفونني وأتواصل معهم ويتواصلون معي، ألا يوقعوا على الميثاق بصيغ بنوده الحالية، فهذا فيه غش للمسلمين، وهي مسؤولية تاريخية، لن ينجو منها من يوقع عن رب العالمين.
إن كل من يريد التوقيع يجب عليه أن يتوقف قبل التوقيع ويعيد المراجعة الفردية والجماعية لتخليص الميثاق من صيغ جاهلية عصبوية مغرضة، تبحث عن انقاذ الوسائل الظرفية، ولا تبحث عن الحق والحقائق التي توافق دين الله وتحفظ مصالح ودماء الرعية، وتعيد وضع قضية فلسطين على السكة القويمة والصراط المستقيم.
وقد قدمت ملاحظاتي الكثيرة -في الإطار الخاص- على بنود عديدة فيها إشكالات شرعية وسياسية ومنهجية وأخلاقية، لا يليق بالمسلمين تمريرها، فكيف يمررها من يوقعون عن رب العالمين ويقومون بدور ورثة النبيين؟
أما إن صدر الميثاق بصيغة بنوده الحالية، فالغيرة على الدين، والانحياز للأمة وقضاياها يوجب الرد من عموم العارفين.
مضر أبو الهيجاء جنين-فلسطين 22/6/2025