أكد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أن الوصول إلى البحر ليس مجرد مسألة سياسية، بل قضية وجودية بالنسبة لبلاده، وهو تعبير يعكس مدى أهمية المياه الدافئة والبحرية بالنسبة لإثيوبيا، التي تفتقر إلى سواحل بحرية مباشرة-حيث تفصلها إريتريا عن البحر الأحمر بعد استقلالها عن اثيوبيا عام 1993- ويُنظر إلى الوصول إلى البحر كمطلب حيوي لتنمية الاقتصاد الإثيوبي وتحقيق استقلالية استراتيجية، وليس مجرد موقف تفاوضي أو سياسي.
هذا التصريح يهدف إلى تأكيد أن إثيوبيا ترى أن حل النزاعات البحرية أو الحدودية، خاصة مع إريتريا، يجب أن يُنظر إليه في إطار المصالح الحيوية للدولة، وليس كمجرد خلاف سياسي عابر. ويُعزز هذا المفهوم الطابع الوجودي للمكانة البحرية لإثيوبيا، والذي قد يتجه إلى استراتيجية أكثر حزمًا في مفاوضاتها الحالية أو المستقبلية مع جارتها إريتريا، وربما يتطور ويتحول إلى اعتداء على اريتريا بهدف الوصول للبحر.
هل تهدف إثيوبيا إلى احتلال إريتريا؟
الهدف المعلن من إثيوبيا، بقيادة آبي أحمد، هو استعادة علاقات سلمية مع إريتريا، مع التركيز على السلام والتنمية المشتركة، لا توجد مؤشرات على أن إثيوبيا تتجه إلى احتلال إريتريا، خاصة وأنها قد خاضت حربًا دامية مع إريتريا في التسعينيات، وأدت إلى نزاعات حدودية طويلة الأمد.
لكن هناك مخاوف من جانب بعض المراقبين أن التصريحات المتشددة أو التوترات السياسية قد تفتح المجال لتفسيرات مختلفة، إلا أن الحكومة الإثيوبية الحالية تسعى، بشكل رسمي، لترسيخ السلام وتحقيق مصالح اقتصادية مشتركة، خاصة بعد توقيع اتفاق سلام تاريخي في 2018، والذي أنهى حربًا استمرت لعقدين.
تاريخ الخلاف بين إثيوبيا وإريتريا
يعود التاريخ المازج بين البلدين إلى منتصف القرن العشرين، حين كانت إريتريا مقاطعة إثيوبية قبل أن تنال استقلالها في 1993، بعد نزاعات طويلة وأحداث دامية، كانت النزاعات تتعلق بالحدود، خاصة منطقة بادمي، التي شهدت معارك عنيفة، وأدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة.
في عام 1998، تصاعدت التوترات إلى حرب شاملة بين البلدين، استمرت عامين وأسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا، قبل أن يتدخل الوسيط الدولي ويُوقع اتفاق سلام في 2000. ومع ذلك، استمرت الخلافات بشأن تنفيذ الاتفاق، خاصة حول المنطقة الحدودية، مما أدى إلى تدهور العلاقات مجددًا، واندلاع حرب أخرى في 2018، ومع أن الحرب انتهت رسميًا، إلا أن بعض النزاعات الحدودية لا تزال موجودة.
تاريخيًّا، العلاقة بين البلدين كانت مليئة بالاضطرابات، لكن بعد توقيع اتفاق السلام في 2018، بدأت مساعي تعزيز السلام والتنمية المشتركة، رغم أن بعض العراقيل لا تزال قائمة.
مصلحة الإمارات في التدخل مع إثيوبيا
تلعب الإمارات دورًا متزايدًا في المنطقة، خاصة عبر دعم بعض المشاريع التنموية والإستراتيجية في إثيوبيا، وغيرها من دول القرن الأفريقي، ومن ضمن أهداف الإمارات، تعزيز نفوذها ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، خاصة في مجالات الزراعة، والبنية التحتية، والاستثمار، وطاقة الطاقة المتجددة.
بالنسبة لإثيوبيا، فإن الإمارات ترى فيها شريكًا استراتيجيًا يمكن أن يساهم في استقرار المنطقة، إلى جانب مصلحتها في مكافحة التطرف الإسلامي من وجهة نظرها، وتأمين طرق التجارة الدولية، وتوفير استثمارات طويلة الأمد.
كما أن تدخل الإمارات قد يهدف إلى دعم الحكومة الإثيوبية في إطار مصالحها في تثبيت الاستقرار، وتعزيز علاقاتها مع نافذتي المنطقة، مصر وإريتريا، عبر علاقات تنموية واقتصادية، والمساعدة على تحقيق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي لإثيوبيا، مقابل تقليل النفوذ الإقليمي للدول المنافسة، حفاظا على مصالحها و تدعم ذلك بالمال أوالسلاح فى اى منطقة نزاع عربية، سواء لمصالحها او بالوكالة عن آخرين.
تحليل الصراع الحالي وتداعياته على المنطقة
الصراع الثنائي بين إثيوبيا وإريتريا، رغم توقيع اتفاق السلام، لا يزال متأرجحًا بين التوتر والتحسن، خاصة فيما يتعلق بشأن سد النهضة الإثيوبي، والنزاعات الحدودية، وحقوق المنطقة، ومسائل عسكرية وأمنية أخرى. مثل هذا الصراع يمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي، حيث يمكن أن يؤثر على دول الجوار، خاصة مصر والسودان وإريتريا، ويهدد أمن الملاحة البحرية والوضع السياسي في منطقة القرن الأفريقي.
التفاعل الدولي والإقليمي، خصوصًا من خلال الوساطات والأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي، يلعب دورًا مهمًا في دعم جهود تحقيق السلام الدائم، لكن الطريق لا يزال يحتاج الكثير من الحوار والتفاهمات لضمان استقرار طويل الأمد.
يرى محللون من العديد من الدول الإفريقية أن هناك احتمالية لتصعيد النزاع في المستقبل إذا لم تتخذ الحكومتان إجراءات حاسمة لحل الخلافات العالقة، ويشيرون إلى أن استمرار النزاعات من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة لاستفادة بعض القوى الإقليمية والدولية من تصاعد النزاعات لصالحها.
كما أن هناك توقعات بأن التوترات يمكن أن تتزايد بسبب قضية سد النهضة، حيث ترى إثيوبيا أن لها حقًا تاريخيًا في استغلال مواردها، فيما تضع مصر والسودان مطالب أظهرت أن هناك إمكانية لتصعيد أوسع إذا لم يتم التوصل إلى تسوية عادلة.
الموقف الأفريقي والدور الإقليمي
يبدي العديد من المحللين قلقهم من أن بعض الأطراف الإقليمية، مثل مصر وأعداء إثيوبيا التقليديين، قد تعمل على تحريض النزاعات لتقويض استقرار إثيوبيا وإريتريا، بهدف تعزيز مصالحها الخاصّة، خاصة في ظل التنافس على الموارد والممرات المائية.
وفي ذات الوقت، يؤكد محللون آخرون على ضرورة أن تتدخل دول الاتحاد الإفريقي والوساطات الدولية بشكل أكثر فاعلية لضمان استمرار جهود السلام، خاصة بعد أن بدأت بعض الأصوات تنادي بضرورة العمل على دمج الأطراف بشكل أوسع وتوسيع دائرة المشاركة في الحلول السياسية.
الرأي العام والمحلي
يتفق غالبية المحللين على أن شعوب المنطقة تقترب من مرحلة تشكّل وعي سياسي أعمق، يركز على أهمية السلام المستدام والتنمية الاقتصادية، ويدعون إلى تجاوز السياسات الفردية والصراعات التاريخية لتحقيق مستقبل أكثر استقرارًا ورفاهية.
التوقعات المستقبلية
مع استمرار الضغوط الدولية والإقليمية على الأطراف، من المتوقع أن تزداد جهود الوساطة السياسية، بينما يبقى الأمل أن يتعزز التفاهم بين إثيوبيا وإريتريا ويبقى الحل في يد الحلول الدبلوماسية وليس التصعيد العسكري، لكن مراقبين يحذرون من أن النجاح يتطلب إرادة سياسية قوية وتنازلات من جميع الأطراف.