د. كمال جعفر يكتب: الإخوان المسلمون.. والشيعة؟!

كتب ثروت الخرباوي كتابا يوضح شيئا من علاقة الإخوان المسلمين بالشيعة، وكذلك توجد على النت محاضرة للشيخ علي جمعة حول الخلاف بين الشيعة والسنة. فقد التقى حسن البنا بالشيعة في المدينة المنورة ومصر، التقى بالشيرازي والكاشاني في المدينة وبالصديق القمي في مصر، فخاصمه محب الدين الخطيب السلفي في ذلك، ومن حواره مع البنا قال له كأنك تحل التقيا، فقال له ما معناه: حتى نصل إلى الحكم لابد من شيء من هذا القبيل.

الإخوان حتى اليوم يتصورون أنهم أخذوا الجوانب الإيجابية من كل الحركات السابقة، والحقيقة أنها عبارة عن تناقضات انعكست على تصرفاتهم المترددة. أخذو من الشيعة بالحوار معهم ومن السلفية عن طريق محب لدين الخطيب، ومن الصوفية فقد كانت المنشأ التربوي للبنا، بل أخذ البنا من الحركات الحديثة متصورا أن هذه فكرة تعبر عن كافة المسلمين. لذلك سمح لكل طوائف المسلمين بالانتماء لتنظيمه المركب بشروطه، وتصور أن الكل سينصهر في التنظيم.

لذلك جعل التنظيم نفسه هو الهدف لكي يصوب الجميع على هدف واحد، وجعل فيه شيئا من كل الاتجاهات ومركبا من طبقات هرمية بعضها فوق بعض تنتهي بالمرشد ومكتب الارشاد حيث تصدر الأوامر والتعليمات والمقالات والرسائل الإرشادية من أعلى لأسفل فتصبغ الجميع بصبغة واحدة واجبة الإتباع، فتجدهم جميعا برأي واحد لا يحيدون عنه ولا يتأثرون بالنقد وإن كان بالدليل الشرعي. وهنا أضاف البنا مصدرا آخر للتشريع مع الكتاب والسنة، وتجد دائما ما يصدر من المرشد يسير نحو هدف معين وإن قابله دليل من قرآن أو سنة لا بأس بلصقه خلف رأيه، أي أن رأيه ليس استنتاجا بالطرق الشرعية من الأدلة، وبالطبع المرشد ليس عالما شرعيا كي يستطيع ذلك.

وقد أصل البنا لهذه المرجعية في عدة أماكن في رسائله وممارساته، قال في رسالة المؤتمر الخامس «الإسلام يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد». وقديماً قال الخليفة الثالث: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وقد جعل النبي الحكم عروة من عرى الإسلام. والعلماء يجعلون الحكم من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع.

وهذا كلام شيعي خطير نسبه البنا للإسلام نفسه وللنبي وللعلماء بالباطل، فالحكومة عنده هي السلطة، وهي ركن من أركان الإسلام، ومن تطبيقهم هو الركن الثاني بعد الشهادة، وبهذا صار للإسلام ستة أركان وليست خمسة، والحقيقة لا توجد آية أو حديث ينص على ذلك، بل نص النبي على خمسة فقال «بني الإسلام على خمس …». لقد ترجم البنا هذا في تأكيده على السمع والطاعة والثقة، ونفذ التنظيم كله هذا وما زال، لذلك تجد رأيهم وهجومهم وسبهم لمن يعارضهم واحد، وهيكلوا ذلك في لجان أو ذباب إلكتروني مدرب على تنفيذ التعليمات من أعلى، لذلك تجد تعليقاتهم الهجومية متشابهة. وهذا يتطابق نماما مع عقيدة الشيعة بعصمة الإمام أو الحاكم واعتباره مصدرا للتشريع.

عندما قامت ثورة الخميني 1979، فورا ذهب وفد من تنظيم الإخوان لتهنئة الخميني بنجاح الثورة، وأنشأوا لهم فرع باسم «جمعية الدعوة والإصلاح» استخدمته إيران كحلقة وصل مع الدول السنية.

وفي أبريل 2014 حدث اجتماع إيراني إخواني سري في تركيا كشفته وثائق مسربة من الأرشيف الإيراني. مثل إيران وفد من فيلق القدس بقيادة نائب قاسم سليماني واسمه أبو حسين، ومن جانب الإخوان حضر ثلاثة: نائب المرشد العام والأمين العام للتنظيم الدولي إبراهيم منير ومحمود الإبياري ويوسف ندا. وحضر الاجتماع ممثل عن وزارة الداخلية الإيرانية ليسجل كل ما دار.

اتفقوا في هذا الاجتماع على أن العدو المشترك بينهما هي السعودية، وأن يتعاون الإخوان مع الحوثي في اليمن ضد السعودية. وطلب الإخوان بناء تحالف شيعي سني ولكن الطرف الإيراني رفض وبرر ذلك بأن إيران لم تختلف يوما مع الإخوان.

كذلك اتفقوا على اعتبار حماس هي الذراع المسلح للإخوان ودعمها بالمال والسلاح. وكذلك تمت تسوية الخلافات بين الإخوان والمليشيات الشيعية في العراق. ولكنهم اختلفوا في المصالح المشتركة بينهما في سوريا فقط.

من هذا يتضح أن الإخوان قد يتحالفوا مع الشيطان ضد أهل السنة وهي هنا السعودية بلاد التوحيد الخالية من البدع. والغريب أن السعودية كان لها فضل كبير على الإخوان إذ آووهم من بطش ومطاردة عبد الناصر لهم في الستينات.

هنا تظهر أخلاقهم في الغدر من أجل رفع شأن تنظيمهم الغامض. ومن قبل توافق البنا مع الاحتلال الإنجليزي وقبِل تبرعهم لنشاطه، وخان ملك مصر الذي كان مستعدا لتولي منصب الخليفة بتحالف الأزهر معه لولا مواجهة الإنجليز لهذا المشروع، ولما اشتد عود جماعة الاخوان بسبب مباركة الملك على أمل أن يجد منهم دعما شعبيا لتولي منصب الخلافة، إلا أن البنا خانه وطمع في ذلك لنفسه، فبدأت المواجهة بين الإخوان والدولة حتى يومنا هذا.

كذلك أخذ الإخوان من الشيعة التنظيم الطبقي الغامض المغلق، وكذلك خصلة التقية، وهي أن يكذبون لله أو عبادة لله حتى يخفوا عن تنظيمهم ما يبدو غريبا عن المسلمين أو مخالفا للشرع، وهذا يعني أنهم يعتبرون من حولهم من المسلمين ليسوا منهم، فاستحلوا الكذب ليصلوا للحكم حتى سيطر على آرائهم وتعودوا عليه لدرجة أنهم لا يشعرون بالحرج عند ممارسته. وتجد ذلك جليا في تعليقاتهم على منتقديهم فيرد عليك الإخواني بأنك لا تدري ولم تدرس الموضوع جيدا وقد يتهمك بالعمالة للنظام، وقد ينكر فيقول إن الإخوان لم يقولوا ولم يفعلوا، أو يؤولوا، أي يقر بأنه قال فعلا ولكن المقصود شيء آخر لم تفهمه (الباطنية تماما)، أو يقول إنهم غيروا هذا الكلام من زمان، أو كان خاصا بقائله وليس منهج الجماعة، أو أن هذا الفعل عمل فردي وليس نهجا للجماعة، وقد يتبرؤون من الفاعل، وقد رسخ البنا هذا عندما قال على من قتل النقراشي منهم: ليسوا إخوان وليسوا مسلمين. كذلك رسخت خصلة التقية أو الكذب الحلال في الأتباع من كثرة الصدام مع النظم الحاكمة، يكذبون محاولة للنجاة.