في واحدة من أكثر الهجمات دموية واستفزازًا منذ اندلاع الحرب في السودان، أعلن رئيس منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، عن مجزرة مروعة وقعت داخل مستشفى المجلد بولاية غرب كردفان، جنوب غرب البلاد، حيث أسفر القصف عن مقتل أكثر من 40 شخصًا، بينهم أطفال وعاملون في القطاع الطبي.
وكتب تيدروس على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، يوم الثلاثاء 25 يونيو 2025، معبرًا عن غضبه:
“هجوم مروّع آخر على منشأة صحية! لا يسعنا إلا أن نرفع الصوت عالياً: يجب أن تتوقف الهجمات على القطاع الصحي في كل مكان!”
المستشفى الوحيد.. يتحول إلى هدف
الضربة الجوية التي استهدفت مستشفى المجلد، الذي يعد المنشأة الصحية الوحيدة العاملة في المنطقة بحسب شبكة أطباء السودان، وقعت يوم السبت، قرب إحدى جبهات القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ضمن الصراع المستمر منذ أبريل 2023.
الهجوم لم يكن عشوائيًا فقط، بل طال المستشفى أثناء تقديمه خدماته الإنسانية، حيث كانت وحدة غسيل الكلى تعمل لخدمة المدنيين، وليس العسكريين، بحسب ما أفادت به مجموعة محامي الطوارئ، وهي منظمة تراقب الانتهاكات بحق المدنيين.
تبادل الاتهامات والجيش صامت
قوات الدعم السريع ألقت باللوم على الجيش السوداني في قصف المستشفى، وهو اتهام وافقتها عليه منظمات مجتمع مدني محلية، من بينها شبكة أطباء السودان وجماعة محامي الطوارئ. في المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من الجيش حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وتشير روايات ميدانية إلى أن الجيش كان يستهدف عناصر من الدعم السريع يُعتقد أنهم “تمركزوا داخل المستشفى”، بحسب بيان شبكة الأطباء، وهو ما فتح جدلًا حول استخدام المنشآت المدنية كدروع بشرية، دون تبرير الهجوم الدموي الذي أودى بحياة مدنيين أبرياء.
الأمم المتحدة: السودان يواجه أسوأ كارثة إنسانية في العالم
الحرب في السودان التي دخلت عامها الثالث خلّفت حتى الآن عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، ومئات المنشآت الطبية المدمرة، ووصفتها الأمم المتحدة بأنها “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
وما يزيد المأساة تعقيدًا هو ما كشفته تقارير حقوقية عن جرائم جنسية ممنهجة، طالت أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم سنة واحدة، وتحدثت تقارير عن محاولات انتحار بين الأطفال نتيجة الاعتداءات، في مشهد يُوصف بأنه “انهيار كامل للمنظومة الأخلاقية في ساحات الحرب”.
اليونيسف: الأطفال يدفعون الثمن.. والمساعدات غير كافية
وفي سياق متصل، حذّرت رئيسة منظمة اليونيسف، كاثرين راسل، يوم الإثنين، من أن استجابة الإغاثة في السودان لا تزال تعاني نقصًا حادًا في التمويل، موضحة أن ثلثي الاحتياجات الإنسانية غير مغطاة.
وخلال زيارتها للاجئين السودانيين في تشاد، قالت إن مئات الآلاف من الأطفال “يعانون من سوء التغذية، ويعيشون بلا تعليم، ومعرضون بشكل يومي لخطر الاستغلال والمرض”.
إلى أين يتجه السودان؟
ما جرى في مستشفى المجلد ليس حادثًا معزولًا، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات ضد القطاع الصحي في السودان. ومع تعثر الجهود الدولية في فرض وقف شامل لإطلاق النار، وتزايد العجز الإنساني، يصبح السؤال الملحّ:
من يحمي المدنيين حين يتحول المستشفى إلى هدف، والطبيب إلى ضحية؟