بعد 12 يومًا من أعنف مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، وما تبعها من تدخل أميركي وتهديدات متصاعدة في الخليج، بدأت أسواق النفط تتنفس مجددًا عقب إعلان وقف إطلاق النار. غير أن هذه الهدنة لم تُنهِ حالة القلق العميق التي هيمنت على أسواق الطاقة، خصوصًا في منطقة الخليج، حيث تُعد مضائقها البحرية ومرافئها النفطية شريانًا حيويًا لتغذية الاقتصاد العالمي بالطاقة.
أولاً: اضطراب الأسواق.. صدمة البداية
مع بدء الحرب وتزايد المخاوف من تحولها إلى نزاع إقليمي شامل، شهدت أسعار النفط حالة من التذبذب العنيف:
في الأيام الأولى من الصراع، انخفضت أسعار النفط بشكل مفاجئ، مع تزايد الحديث عن تهدئة قريبة ومحاولة الأسواق تسعير الضغوط الجيوسياسية دون تهويل، لكن بعد الضربة الأميركية المباشرة للمنشآت النووية الإيرانية، صعدت الأسعار إلى أعلى مستوى لها في خمسة أشهر، إذ تخطى خام برنت حاجز 70 دولارًا للبرميل، بسبب القلق من تأثير محتمل على مضيق هرمز.
ثانيًا: صعود ما بعد الهدنة.. والأسواق تُراقب
بعد إعلان وقف إطلاق النار يوم الأحد الماضي، استقرت الأسواق، لكن لم تنخفض الأسعار كما توقع البعض. بل سجلت عقود النفط الآجلة ارتفاعًا جديدًا مع تقييم المستثمرين لصمود وقف إطلاق النار: خام برنت ارتفع بـ75 سنتًا، ليصل إلى 67.89 دولارًا للبرميل، خام غرب تكساس الوسيط الأميركي صعد بـ71 سنتًا، مسجلاً 65.08 دولارًا للبرميل.
هذا الارتفاع يعكس قلق الأسواق العميق من تكرار التصعيد، خاصة أن التوترات في منطقة الخليج لا تزال مشتعلة تحت السطح.
ثالثًا: المضيق في قلب العاصفة.. هل تهدد الحرب إمدادات الطاقة؟
يُعد مضيق هرمز النقطة الأكثر حساسية في معادلة النفط الخليجي والعالمي، إذ يمر عبره ما بين 18 إلى 19 مليون برميل يوميًا، ما يعادل خُمس الاستهلاك العالمي للنفط، فأي اضطراب عسكري أو تهديد بإغلاقه يمكن أن يتسبب في انفجار أسعار النفط عالمياً، وهو ما جعل الأسواق في حالة تأهب دائم خلال الحرب، ورغم أن إيران لم تغلق المضيق فعليًا خلال المعركة، إلا أن التلويح باستخدامه كورقة ردع استراتيجي أعاد إلى الأذهان سيناريوهات الانهيار اللوجستي.
رابعًا: الخليج بين الربح والخسارة..معادلة معقدة
المكاسب المحتملة: ارتفاع أسعار النفط مؤقتًا منح بعض الدول الخليجية، خصوصًا السعودية والكويت والإمارات، زيادة مؤقتة في العوائد النفطية، وحالة القلق دفعت بعض المشترين الآسيويين إلى تخزين كميات كبيرة من النفط الخليجي مسبقًا، تحسبًا لانسداد المضيق، مما رفع حجم التصدير خلال أيام الأزمة.
الخسائر الفعلية: تعطّلت بعض خطوط الإمداد مؤقتًا بسبب إعادة توجيه السفن بعيدًا عن مناطق التوتر، وتكلفة التأمين والشحن البحري ارتفعت بشدة، ما قلّل من أرباح الصادرات، وخروج استثمارات مؤقتة من الأسواق المالية الخليجية نتيجة المخاطر الجيوسياسية.
خامسًا: ماذا بعد الحرب؟ توقعات السوق الخليجية
يرى المحللون أن عودة الاستقرار الكامل مرهونة بعوامل عدة، وهى صمود وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، ومدى تحول الهدنة إلى اتفاق دائم، وموقف الولايات المتحدة من العودة إلى المفاوضات النووية، وتأثيرها على مسار العقوبات على طهران، وقدرة الخليج على تحسين أمن الملاحة البحرية، عبر تعاون إقليمي ودولي، لتقليل المخاطر على شحنات النفط.
كما أن دول الخليج مطالبة بتكثيف استثماراتها في مشاريع تصدير الطاقة البديلة والبنية التحتية غير النفطية، لتقليل الاعتماد الكامل على ممرات قابلة للتهديد في أي لحظة.
تُظهر حرب الـ12 يومًا أن النفط ليس فقط سلعة اقتصادية بل أداة جيوسياسية، وأن أمن الخليج النفطي لا يُفصل عن صراعات المنطقة.
ورغم تحقيق بعض المكاسب السعرية على المدى القصير، إلا أن الضرر الهيكلي المحتمل من تكرار مثل هذه الأزمات يُحتم على دول الخليج توسيع استراتيجياتها وتنويع مصادر دخلها، والاستعداد الجاد لمستقبل قد لا يكون فيه النفط وحده ضمانة الازدهار.
