مع إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بعد 12 يومًا من الحرب الشرسة، برز تطور لافت أعاد خلط أوراق المنطقة، حين أطلقت إيران صواريخ باليستية تجاه قاعدة “العديد” الجوية الأميركية في قطر، أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج.
ورغم إعلان واشنطن أن القاعدة كانت مُخلاة بالكامل وقت الضربة، ما حال دون وقوع خسائر بشرية أو مادية، إلا أن التوقيت والمكان طرحا سؤالًا محوريًا: لماذا اختارت إيران هذه القاعدة تحديدًا؟ ولماذا قطر دون غيرها من دول الخليج؟
رسالة رمزية بعد الضربة النووية
وفق محللين استراتيجيين، فإن الهجوم الإيراني على قاعدة العديد لم يكن عشوائيًا، بل جاء كرد رمزي محسوب على الهجمات الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان قبل أيام فقط.
ويرى المراقبون أن طهران سعت من خلال ضرب “العديد” إلى إيصال رسالة قوية إلى واشنطن مفادها: “نحن نستطيع ضربكم متى شئنا”، دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة.
القاعدة الأقرب والأكثر أمانًا للرد
من الناحية الجغرافية والعملياتية، تُعد قاعدة العديد الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر فقط من السواحل الإيرانية، الهدف الأسهل والأقرب لصواريخ طهران الدقيقة، مقارنةً بقواعد أميركية أخرى في البحرين أو الإمارات.
ويقول المحلل العسكري الإيراني حسين عريان إن إيران كانت تعلم أن القاعدة أخليت مسبقًا، ما يجعل الضربة “آمنة سياسيًا وعسكريًا”، وتجنبها تبعات مدمّرة قد تنجم عن ضرب منشآت مأهولة.
لماذا لم تُستهدف الإمارات أو البحرين؟
رغم وجود قواعد أميركية كبرى في دول الخليج، مثل الأسطول الخامس في البحرين وقاعدة الظفرة في الإمارات، فإن الاعتبارات السياسية والجغرافية جعلت منها أهدافًا أكثر خطورة.
فقاعدة الظفرة، وفق عريان، “بعيدة جغرافيًا عن إيران، كما أن أي خطأ في الاستهداف قد يؤدي إلى كارثة”. أما ميناء خليفة في البحرين فهو “مكتظ بالسكان”، مما يجعل أي هجوم عليه مغامرة لا تُحتمل عواقبها.
قطر: التفاهمات الهادئة والعلاقات المتينة
يرى خبراء مثل عبد الله بعبود وحسن منيمنة أن اختيار قطر تحديدًا يعكس مراهنة طهران على العلاقات الهادئة مع الدوحة، التي لطالما لعبت دور الوسيط بين طهران وواشنطن.
ويقول منيمنة: “إيران تعرف أن الغضب القطري قابل للاحتواء… عكس ما يمكن أن يحدث في المنامة أو أبو ظبي”.
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، مشيرين إلى أن إيران ربما أخطرت قطر مسبقًا بالهجوم، في محاولة لتجنب أي تصعيد خطير أو مفاجآت ميدانية.
قاعدة “العديد”: الأكبر في الخليج
تُعد قاعدة العديد الجوية، المعروفة أيضًا بـ”مطار أبو نخلة”، أكبر منشأة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، وتضم أكثر من 8000 جندي أميركي، بالإضافة إلى مقر القيادة الوسطى الأميركية، ما يجعلها رمزًا استراتيجيًا بالغ الأهمية.
الهجوم عليها، حتى ولو رمزيًا، يعني الكثير في معادلات النفوذ والردع في المنطقة.
هل كان الهجوم مجرد دعاية داخلية؟
في تحليل آخر، يرى محللون أن الضربة كانت “عرضًا مدروسًا للقوة” موجهًا للداخل الإيراني، لطمأنة الرأي العام بأن النظام يرد على مقتل قادته وتدمير منشآته.
يقول عريان: “الهجوم يذكّر بما فعلته إيران بعد اغتيال قاسم سليماني في العراق عام 2022، حين ضربت قاعدة عين الأسد الأميركية… إنه تصرّف يحمل طابعًا دعائيًا واستعراضًا للرد دون إشعال فتيل حرب شاملة”.
الموقف القطري: بين الحرج والحكمة
رغم أن الدوحة لم تصدر تعليقًا رسميًا مباشرًا، إلا أن مصادر خليجية تؤكد أن التنسيق بين قطر والولايات المتحدة كان على أعلى مستوى، وأن قطر لعبت دورًا “هادئًا” في احتواء التصعيد ومنع انزلاق الأمور نحو الأسوأ.
ورغم حرج الموقف القطري، باستضافتها قاعدة تُستهدف من جار إقليمي، فإن علاقاتها مع طهران من جهة، وتحالفها الوثيق مع واشنطن من جهة أخرى، يجعلها أكثر قدرة على المناورة واحتواء تداعيات الهجوم.
خلاصة المشهد
ضرب إيران لقاعدة العديد لم يكن سوى “ضربة تحت السيطرة”، حرصت فيها طهران على توصيل الرسالة دون إشعال برميل البارود. وفي المقابل، بدت واشنطن والدوحة على دراية بالخط الأحمر الذي حاولت إيران ألا تتجاوزه.
لكن الرسالة الأهم التي وصلت عبر تلك الصواريخ الصامتة: إيران قادرة على الرد… وتختار بدقة متى وأين وكيف.