مقدمة وتمهيد
في القرن المنصرم وقعت أحداث جمه على المسرح السياسي العالمي عامه، وعلى الجغرافيا العربية بشكلٍ خاصٍ قُبيّل وأثناء وبُعيّد الحربين العالميتين، فقد تم اقتطاع أوصال بعض الأراضي كِسفاً من جغرافيا دول المنطقة العربية، كما حدث للعراق وسوريا ومصر على سبيل المثال، تم استحداث ميكانزم سياسي عنيف لتشتيت وتجزئة بعض الإثنيات والعرقيات على جغرافيات مختلفة، الأكراد كمثال، وثمة دويلات تم ولادتها بحكم التقسيم الجبري الاستعماري، لبنان والكويت مثالين صارخين، وثمة دول تم استحداثها كالأردن، كما أن ثمة أقطار تم الاستيلاء عليها بمباركة إنجلترا دولة المركز في ذاك الحين، فلسطين مثال جلى، وكذلك، الأحواز، مع الفرق أن الأحواز العربية لم تأخذ الزخم التاريخي ولم تحظى الموضوعية التأريخية لعدة أسباب سنحاول تبيانها لاحقاً بشيء من التفصيل.
رسم خريطة العالم العربي الحدودية الراهنة وفك أواصره كأمه.
في الواقع برزت قضية الأحواز وفق تفاهمات تاريخية واضحة بين عميل في صورة حليف وهو إيران، وبين مُحتل مُحترف وهو إنجلترا التي كانت لها النصيب الأكبر في رسم خريطة العالم العربي الحدودية الراهنة وفك أواصره كأمة وشرذمته تحت دعاوى الوطنية والقومية، وهذه الأخيرة تُعَد أحد المخلفات التي بسببها يتم إغفال قضايا محورية مركزية كالمسألة الأحوازية إذا جاز التعبير، فقد تم هذا التفاهم بإعطاء الضوء الأخضر لبقايا الفرس لاحتلال الأحواز في العشرين من إبريل نيسان عام 1925ميلادي، وهو نفس العام الذي تم إطلاق اسم ،إيران، على، بلاد فارس، وجدير بالإشارة أن بلاد فارس ليست إيران الحالية كما يظن البعض وهذا سيتم تناوله إسهاباً في حينه.
الأحواز الاسم العربي الأصيل وليست عربستان أو خوزستان.
في واقع الأمر تاريخياً ظل اسم الأحواز الاسم العربي لهذا القطر حتى عام 1501ميلادي، إلى ظهور العهد الصفوي، إذ تم إطلاق أسم، عرب ستان، أي بلاد العرب، وهذا اعتراف ضمني بعروبة الأحواز من الجانب الفارسي، وأطلق عليه لاحقاً من الجانب الإيراني أسم ،خوزستان، أي بلاد القلاع والحصون في اللسان الفارسي، وبالفعل قد اشتهرت الأحواز ببناء القلاع خاصةً بعد موقعة القادسية الشهيرة التي قامت على أرض الأحواز العربية ذاتها.
حقيقة الجغرافيا المترامية الأطراف لدولة الفرس.
جدير بالذكر أن دولة الفرس كانت مترامية الأطراف، فقد شملت كل الجغرافيات التي كانت تحت حكم (شاهنشاهى)، وساهمت أعراق مختلفة في صناعة المجد الحضاري لهذه الإمبراطورية الفارسية، وقد كان الآشوريين والفينيقيين أحد المساهمين في تأسيس الدولة الفارسية، وتأكيداً تأريخياً فإن (الأسرة الأخمينية) هي أسرة (قرشية عربية) كما جاء في بعض الدراسات وتم الإشارة إليها في كتاب (الأحواز أرض عربيه سليبه) للدكتور إبراهيم خلف العبيدي، وأشار العبيدي في كتابه آنف الذكر أن الملك (داريوس الأول) هو مؤسس السلالة (الأخمينية) وناقل عاصمة الدولة الفارسية إلى مدينة (سوسا) عام 521 قبل الميلاد، و(قريش) ليس كما يتصور البعض كانت محصورة في محيط مكة المكرمة فقط.!
دلائل تعزز عروبة الأحواز.
ثمة دلائل لا حصر لها نعزز عروبة الأحواز، فهي امتداد جغرافي وديموجرافي للخليج العربي، كما تفصلها عن إيران سلسله جبال زاجروس، وثوابت التاريخ تسجل عروبة الأحواز قبل الوجود الإيراني الذى وُجِدَ عقب إهداء إنجلترا الأحواز في العام 1925ميلادى، فالأحواز كانت عضو مُعتَرَف به في الأمم المتحدة( عصبة الأمم) سابقاً قبل بروز إيران على الساحة السياسية، وهنا يجب التنويه أن الرغبة في احتلال الأحواز جاءت ضمن سياق تاريخي كشفتها مذكرات الشاه (رضا خان بهلويز) التي قال فيها لقد فكرت كثيراً قبل إقدامي على اقتحام أكبر معقل يفصل بين فارس والعراق، فوجدت أنه من الضروري القضاء على أمير عربستان (الأحواز)، وهذه المقولة تُعد أيضاً اعتراف ضمني تاريخي آخر بعروبة الأحواز وأنها لا تنتمي بأي حال من الأحوال للجسد الإيراني.!
سنُعرّج في الجزء التالي بشكل مُفصّل إسهاباً وإطناباً على المسألة الأحوازية من عدة زوايا اقتصادية وسياسية وتاريخية، وعلى الحركات التحررية التي تكونت عبر سنين القمع والإقصاء الإيراني، وكيف أن الأحواز عربية متجذرة في التاريخ.
بداية القرن العشرين تم طرح علامة استفهام استراتيجية كبيرة، تتعلق بمستقبل الإنجازات التاريخية لدول المركز، وهي كيف يتم تأبيد الإنجاز الحضاري الأوروبي في المنطقة التي أسموها (الشرق الأوسط)؟ وكانت الإجابة العملية هي إرباك المنطقة بزرع (كيانين مختلفين) من الناحية الشكلية، ومتماثلين في الدور الاستراتيجي الذي وُكِلَ لهم لضرب الاستقرار بعد ترسيم الحدود الذي يُعَد أحد مُخرجات انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وتفكيك ممتلكاتها بين دول المركز التي برزت وقتئذ.
جدير بالإشارة أن أول سطوع للحضارة على أرض الأحواز العربية، كانت حضارة ،عيلام، وعيلام بحسب التأريخ الأنثربولوجي، هو عيلام ابن سام ابن نوح عليه السلام، والأحواز جغرافياً تابعه للسهل الرسوبي لبلاد الرافدين، تحتل مكانه جغرافية استراتيجية يحدها من الغرب العراق، ودول الخليج العربي والجزيرة العربية من ناحية الجنوب الغربي، تبلغ المساحة الكلية للأحواز 375 الف كلم مربع، وجبال زاجروس الشاهقة كما ذكرنا في الجزء الأول هي الفاصل الطبيعي بين دولة فارس والأحواز، ويبلع عدد سكان الأحواز العرب ما يقرب من ثمانية ملايين نسمه (عربي)، مدينة الأحواز هي العاصمة ومن أهم المدن، يليها في الأهمية مدينة عبادان التي تقع على شط العرب وبها أكبر مصفاة للبترول في منطقة الشرق الأوسط، ثم مدينة المحمرة التي تقع عند مصب نهر كارون.
كما يجدُر بنا ذكر النوابغ الذين ظهروا على أرض الأحواز العربية، مثل أبو هلال العسكري صاحب مؤلفات، الفروق في اللغة، جمهرة الأمثال، وكتاب الصناعتين.
وأبو يوسف يعقوب بن إسحاق السُكيت الدورقي، المشهور بابن سُكيت الدورقي الأحوازي 186 ـ 244ه 802 ـ 858م، ويُعَد ابن سُكيت الدورقي إمام من أئمة اللسان العربي وأديب وعالم نحوي شهير، ومن أهم مؤلفاته إصلاح المنطق.
ومن الجهابزة الذين برعوا في النحو في منطقة الأحواز العربية عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي المشهور باسم (سيبويه) وهي لفظه فارسيه تُعنى (رائحة التفاحة)، سيبويه تم نعته بإمام النُحاة لأنه أول من بَسّط علم النحو، ومن أبرز أعمال سيبويه (كتاب سيبويه)، كل ما تم حصره من أسماء لشخصيات تخصصت وبرعت في علوم اللسان العربي دلالة من بعض الدلائل التي سوقناها وسنسوقها لاحقاً على عروبة الأحواز المسلوبة منذ أبريل نيسان 1925م.
لقد ظل حكم الأحواز حكم عربي أصيل من 1424 إلى 1925م، تتابع عليها حكم الدولة المشعشعية ثم الدولة الكعبية التي كان اخر أمرائها الأمير (خزعل الكعبي).
في الجزء التالي سنتناول تفصيلاً المقدرات الاقتصادية التي تزخر بها الأحواز العربية، وسنتطرق حتماً لاتغاقيتا (الجزائر) تحت رعاية الرئيس الجزائري الراحل هوارى بومدين، و(أرضروم) التي كانت الدولة العثمانية طرفاً مفاوضاً فيها بحكم تبعية بلاد الرافدين لها في ذاك الوقت.
