تواصل الحرب الروسية الأوكرانية تحولها النوعي مع دخول الطائرات المسيّرة على خط المواجهة كسلاح رئيسي في المعركة. ففي يونيو 2025، سجل الصراع تصعيدًا استثنائيًا، حيث نفذت أوكرانيا واحدة من أوسع عملياتها الجوية بالطائرات بدون طيار، استهدفت خلالها خمس قواعد جوية عسكرية روسية في مورمانسك، إيركوتسك، إيفانوفو، ريازان، وأمور. العملية، التي تطلبت أكثر من 18 شهرًا من التخطيط، أشرف عليها مباشرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأسفرت عن تدمير ما يزيد عن 40 طائرة حربية روسية من بينها قاذفات استراتيجية من طراز تو-95 وتو-22. اللافت في هذه العملية أن المسيّرات المستخدمة كانت منخفضة التكلفة، لا يتجاوز سعر الواحدة منها 200 دولار، إلا أنها استطاعت الوصول إلى عمق الأراضي الروسية، مستهدفة قواعد على مسافة تفوق 4000 كم من الجبهة.
الرد الروسي لم يتأخر، ففي السادس من يونيو شنت موسكو هجومًا واسعًا هو الأكبر منذ بداية الحرب، مستخدمة 472 طائرة مسيّرة هجومية و7 صواريخ بعيدة المدى. وعلى الرغم من أن الدفاعات الأوكرانية أسقطت 385 مسيّرة منها، فإن الهجوم تسبب في أضرار كبيرة، لا سيما في العاصمة كييف، حيث اندلعت الحرائق وتصاعد الدخان في عدد من الأحياء، وتم استهداف منشآت للطاقة ومراكز أبحاث ومكاتب عسكرية. وفي التاسع من الشهر نفسه، نفذت روسيا هجومًا جديدًا بـ479 مسيّرة، في تصعيد غير مسبوق يؤشر على اعتماد متزايد على هذا النوع من الأسلحة.
الخسائر البشرية كانت مؤلمة على الجانبين. في أوكرانيا، قُتل 14 شخصًا وأصيب 44 آخرون في كييف وحدها، فيما أسفرت ضربات أخرى على زاباروجيا وسومي عن مقتل خمسة مدنيين وإصابة ستة، بينهم طفلان. الأضرار طالت المنازل والمتاجر، وحتى مداخل محطات المترو التي تُستخدم كملاجئ. أما في روسيا، فقد تسببت الهجمات الأوكرانية بحرائق في قواعد عسكرية ومناطق سكنية في كورسك وفورونيج، إضافة إلى تعطل الطرق السريعة، فيما أعلنت الدفاعات الروسية إسقاط 162 مسيّرة، منها 57 فوق كورسك و31 فوق بيلغورود.
على الصعيد التكنولوجي، يشهد الصراع سباق تسلح واضح في مجال المسيرات. روسيا طورت تدريعًا جديدًا لحماية المدرعات من الهجمات الجوية، ورفعت إنتاج صواريخ “أوريشنيك” فرط الصوتية، كما نشرت صواريخ “يارس” النووية ضمن مناوراتها. بالتوازي، واصلت استخدام مسيّرات “غيران-2″، المشتقة من المسيرات الإيرانية “شاهد”، لضرب مصانع إنتاج الطائرات الأوكرانية. تقارير عدة تؤكد وجود تعاون تقني وثيق بين موسكو وطهران لتعزيز أداء المسيرات الروسية. من جانبها، ركزت أوكرانيا على تطوير مسيرات عالية الدقة تعتمد على الألياف الضوئية لتفادي التشويش، ونجحت في توجيه ضربات دقيقة، رغم أن روسيا نجحت أحيانًا في إسقاطها باستخدام مسيّرات مزودة بشفرات قاطعة للكابلات.
إنسانيًا، تتفاقم آثار الحرب. أكثر من 8 ملايين شخص نزحوا داخليًا في أوكرانيا، في حين بلغ عدد اللاجئين في الخارج 8.2 مليون حتى أبريل 2023. في يونيو 2025 وحده، تم تبادل 1200 جثمان بين الطرفين، ما يرفع عدد الجثث المتبادلة منذ بدء الحرب إلى 6060. الخسائر في الأرواح تتسارع، مع تقديرات تشير إلى سقوط نحو 1500 جندي روسي يوميًا بين قتيل وجريح، مقابل خسائر بشرية ومادية متزايدة في صفوف الجيش الأوكراني.
ورغم محاولات التهدئة، فشل مسارا التفاوض اللذان جريا في إسطنبول في مايو ويونيو، بعد أن طرحت أوكرانيا مبادرة لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا وتبادل شامل للأسرى، رفضتها روسيا التي تصر على تثبيت سيطرتها على دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزاباروجيا كشرط مسبق لأي تسوية. وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حذر من أن أي تحرك دولي لنشر قوات حفظ سلام قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، ملوّحًا باستعداد موسكو لاستخدام الأسلحة النووية إذا شعرت بأي تهديد وجودي.
التقديرات المستقبلية تشير إلى أن المسيرات ستظل مركز الثقل في هذه الحرب، لا من حيث القدرة العسكرية فقط، بل من حيث تأثيرها السياسي والدبلوماسي. ومع اقتراب دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية في يناير 2026، من المتوقع أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا جديدة لدفع الطرفين نحو اتفاق، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى استمرار الصراع لفترة أطول، خاصة في ظل التقدم الروسي البطيء في دونيتسك وسومي، وعجز أوكرانيا عن استعادة أراضيها بشكل حاسم.
الحرب لم تعد تدار بالمدافع والدبابات فقط، بل أصبحت تدار عن بُعد، عبر طائرات صغيرة لكن ذات أثر كبير. وبينما تتغير خرائط المواجهة، تظل التكلفة الإنسانية باهظة، في انتظار حل سياسي لا يبدو قريبًا.