كنت في معتقل طره (استقبال) في 2014-2015، (نفس الزنزانة للي بيحكي عنها الشيخ الحويني في تسجيلاته)؛ وذات مرة وجدت صيحة مفاجئة. وحين سألت (بعدها بيومين)، قالوا: الأهلي جاب جوول.
تعجبت جدًا… لم يكن يسمح بأي شيء من الوسائل في السجن وقتها، لا راديو، ولا ورق ولا كتب (إلا للطلبة وبالغلب كمان)، فضلًا عن الهاتف طبعًا. وهؤلاء حصلوا على «صب»/ «راديو» بمشقة شديدة وجلسوا ينصتون لمباراة الأهلي في دوري «الأبطال»!!
وشاهدت بودكاست طويل للدكتور علاء صادق (ضمن اثير) يتحدث فيه عن تاريخ الكورة في مصر.. وكيف جنون الجماهير بها.. أجاب على سؤال ثائر في حسي من سنين طويلة (هقوله وأجاوب عليه بعد شوية).
من أيام لاحظت عددًا من الشباب في صلاة الفجر على غير العادة، وصلوا وقاموا مسرعين.. كما بتوع العيش (الخبز) في الشتاء. وسألت فقالوا: الأهلي بيلعب في أمريكا.. سهروا للفجر لمشاهدة المباراة.
وأعرف أن الأهلي يلعب من صيحات تتعالى من داخل بيوت الجيران حين يحرز هدفًا.. يحدث هذا دائمًا.. كأنهم ينقطعون لمشاهدة المباراة والاهتمام بها.
وقرأت أن ميسي يتعجب من كثرة جماهير الأهلي.. في أمريكا.. ولسان حاله: من أين أتى هؤلاء؟ وكيف جاءوا بهذه الكثافة؟؟!!
وأن مبارياته هو لا يشاهدها هذا الكم ن اللاعبين في ذات البلد.
ورأيت تعليقًا في المواقع السعودية من بعض الحقدة يشير إلى كثافة الجماهير الأهلاوية التي حضرت تشجع الأهلي حين لعب في السعودية، ويدعو لاتخاذ إجراءات ضدهم، وخاصة أنهم تطاولوا على “الشيخ” في مصر من قبل.
السؤال: العالم دي غلابة في الغالب.. أو في أحسن الأحوال من الكادحين.. زي حلاتنا كده. لماذا يتكبدون هذا الجهد لمشاهدة الكوورة؟
لماذا هذا الاهتمام الشديد بالفرق الرياضية؟؟
ماذا يأخذون من الانتماء لنادي رياضي؟؟
هذا هو السؤال الذي ثار في حسي سنوات طوال، ومثله سؤال عن الفن التشكيلي بس مش وقته.. خلينا في الكورة؟
السبب هو أن الكورة ملجأ.. انتماء.. مصدر لضروريات النفس (الحزن والفرح).. تفرحه وتحزنه.. تعطيه النشوة حين ينتصر النادي وتخرج مخزونه من الحزن (المازوخية) حين ينهزم. ولذا تجد المازوخيين حول الأندية التي لا تنتصر كثيرًا. أو الذين يبحثون عن ذاتهم عن طريقة مخالفة السائد. وتجد المقهورين خلف من ينتصر كثيرًا.
ومن يصنع المشهد يحافظ على كيان ينتصر دائمًا، وآخرون يلهثون خلفه. ليجد الحمقى بغيتهم.
وينفقون المال لصناعة الإلهاء.. لشغل العوام… عن الجد.. وعن الدين.