في رحاب القرآن الكريم، تنبثق عشر قراءاتٍ شكّلت نسيجًا فريدًا من الإتقان والتنوع، تُعرف بالقراءات العشر المتواترة. هذه القراءات، التي جاءت عن طريق رواةٍ أفذاذ، تحمل في طياتها إرثًا عظيمًا من الدقة في النقل والحفظ، وتُظهر مرونة اللغة العربية وسعة اللهجات المقبولة في تلاوة كلام الله. فلنستعرض هؤلاء الرواة العشرة، أئمة القراءات، مع لمحة عن تاريخهم وأسباب انتشار قراءاتهم، بأسلوبٍ يعانق الأدب والروحانية.
رواة القرآن العشرة هم حَمَلةُ النور، وأصواتُ الخلود، وروّاد الحفظ الذين نقلوا إلينا كلام الله عزّ وجلّ كما أُنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، بلفظه ونغمه وأدائه، فكانوا مناراتٍ في سماء التلاوة، وقناديل على درب القرّاء.
من هم القرّاء العشرة؟
1- نافع المدني
2- ابن كثير المكي
3- أبو عمرو البصري
4- ابن عامر الشامي
5- عاصم الكوفي
6- حمزة الزيات
7- الكسائي
8- أبو جعفر المدني
9- يعقوب الحضرمي
10- خلف البزار
ولكلّ قارئ منهم راويان ثبتت عنهما القراءة، حفظًا وسندًا، فانتشرت قراءاتهم بين الأقطار، ورفرفت على ألسنة القرّاء في الأمصار، وظلّت حية نابضة إلى يوم الناس هذا.
نافع المدني (70 هـ – 169 هـ):
إمام دار الهجرة، أشرق بنوره في المدينة، حتى قيل: “من أراد السنة فعليه بقراءة نافع.” تخرج على يديه ورش وقالون، وانتشرت قراءته في المغرب والأندلس.
ابن كثير المكي (45 هـ – 120 هـ):
شيخ القراء في مكة، سمع من الصحابة، وقرأ عليه البزي وقنبل. انتشرت قراءته في الحجاز، ومكة خصوصًا.
أبو عمرو البصري (68 هـ – 154 هـ):
من أفصح أهل زمانه، وكان من علماء النحو والقراءات، قرأ عليه الدوري والسوسي، وسادت قراءته في البصرة والعراق.
ابن عامر الشامي (21 هـ – 118 هـ):
إمام أهل الشام، قرأ على الصحابة، وتُعتبر قراءته من أقدم القراءات، نقلها هشام وابن ذكوان، وظهرت في الشام زمنًا طويلًا.
عاصم الكوفي (ت 127 هـ):
صاحب القراءة المشهورة برواية حفص، التي تسيّدت العالم الإسلامي، قرأ أيضًا شعبة عنه، وهو من كبار أئمة الكوفة.
حمزة الزيات (ت 156 هـ):
عابد زاهد، جمع بين القراءات واللغة والحديث، روى عنه خلف وخلاد، واشتهرت قراءته في الكوفة.
الكسائي (ت 189 هـ):
إمام أهل النحو والقراءة في عصره، قرأ عليه الليث والدوري، وسادت قراءته في العراق وبلاد المشرق.
أبو جعفر المدني (ت 130 هـ):
من أئمة التابعين، وكان مقرئ المدينة، وقرأ عليه ابن وردان وابن جماز، وقراءته قريبة من قراءة نافع، لكنها انفردت بجمال خاص.
يعقوب الحضرمي (ت 205 هـ):
من أئمة البصرة، وكان يُجيد القراءات جميعًا، قرأ عليه رويس وروحه، وقراءته قليلة الانتشار اليوم، لكنها محفوظة في أصولها.
خلف البزار (ت 229 هـ):
أحد الرواة عن حمزة، وله قراءة مستقلة، رواها عنه إسحاق وإدريس، وتُعد من القراءات العشر الكبرى.
كيف انتشرت قراءاتهم؟
انتشرت قراءاتهم بوسيلتين عظيمتين: التلقي بالسند، والرحلة في طلب العلم.
المدارس القرآنية: كالأزهر والزيتونة والقرويين والمدارس الأندلسية، كانت منارات لنقل هذه القراءات وتدريسها.
الرحالة والعلماء: جابوا البلاد من أجل سماع حرفٍ واحدٍ على وجهه، فحملوا هذه الأمانة شرقًا وغربًا.
الدول الإسلامية: تبنّت بعض الدول قراءة معينة، فنُشرت بالمصاحف والإجازات. فقراءة ورش عن نافع سادت في المغرب العربي، وحفص عن عاصم في أغلب بلاد المسلمين، وقالون عن نافع في ليبيا وتونس.
الختام:
هؤلاء العشرة ليسوا مجرّد رواة، بل هم أوتاد اللسان القرآني، خُزّان الحكمة واللفظ، جمعوا بين الرواية والإتقان، وبين السند والعلم، فتشرّفت الأمة بألسنتهم، وتزيّنت المساجد بتلاوتهم.
فطوبى لمن سمع القرآن من أفواههم، وطوبى لمن سار على نهجهم، وأحيا رسمهم، وتابع خطاهم.