تشهد العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين تطورًا متسارعًا، مع توجه واضح للابتعاد عن الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية، في إطار مساعي البلدين لتقليل التعرض للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022.
بحلول مايو 2025، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن 90% من التعاملات التجارية مع الصين تُجرى بالروبل واليوان، في تطور نوعي يعكس التغيير التدريجي منذ عام 2015، حين كانت النسبة نفسها تُجرى بالدولار.
وقد تراجعت حصة الدولار في المدفوعات الثنائية إلى أقل من 10% منذ عام 2023، بحسب بيانات رسمية روسية وصينية.
بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 240 مليار دولار في 2023، متجاوزًا الهدف المعلن سابقًا وهو 200 مليار دولار بحلول 2024.
أما في الأشهر التسعة الأولى من 2024، فقد بلغ التبادل التجاري 180.36 مليار دولار، بزيادة نسبتها 2% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
تشمل الصادرات الروسية إلى الصين النفط، الغاز، الفحم، المعادن، فيما تصدّر الصين إلى روسيا السيارات، الأجهزة الإلكترونية، معدات الاتصالات، والتكنولوجيا الدقيقة.
بعد انسحاب العديد من الشركات الغربية من السوق الروسي، أصبحت السيارات الصينية تهيمن على السوق المحلي، في حين تجاوزت روسيا السعودية كأكبر مصدر للنفط إلى الصين.
في ظل العقوبات الغربية، بما فيها استبعاد روسيا من نظام “سويفت”، طورت موسكو وبكين أنظمة مالية بديلة مثل:
النظام الروسي STFM
النظام الصيني CIPS
لكنّ هذه الأنظمة لا تزال بحاجة إلى تنسيق أكبر لتصبح بدائل فعالة بالكامل، خاصة في التحويلات الدولية المعقدة.
لتحاشي العقوبات الثانوية، اعتمدت الصين على بنوك إقليمية صغيرة لتسهيل التجارة مع روسيا، على غرار تجربتها مع إيران (عبر بنك كونلون)، وذلك بعد فرض الغرب عقوبات على بورصة موسكو وبنوك كبرى مثل VTB وSberbank في يونيو 2024.
ورغم تقدم الشراكة، تواجه العلاقة عدة تحديات:
قيود من بعض البنوك الصينية على المدفوعات باليوان، نتيجة ضغط العقوبات الغربية
تقلبات سعر صرف الروبل، الذي يتأثر بأسعار النفط بشكل مباشر
تباطؤ الاقتصاد الصيني، حيث توقعت الحكومة نموًا بنسبة 4.5% فقط في 2024، مما قد يؤثر على طلبها على المواد الخام الروسية
التحذيرات الأمريكية: إدارة الرئيس دونالد ترمب لوّحت بعقوبات على أي دول تدعم الاقتصاد الروسي أو تصدر تقنيات لها استخدامات عسكرية
حتى 27 يونيو 2025، لم تُصدر أي جهة رسمية روسية أو صينية تأكيدًا لزيارة مرتقبة للرئيس بوتين إلى الصين.
آخر زيارة له كانت في مايو 2024، حيث التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، وحضر معرض هاربين التجاري.
أما شي، فقد زار موسكو في مايو 2025 للمشاركة في احتفالات “يوم النصر”، وتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات، أبرزها:
تعزيز الاستثمارات في الطاقة
تسريع التعاون في مشروع خط أنابيب “قوة سيبيريا 2” لنقل الغاز
دعم التبادل بالعملات المحلية
إذا ما حدثت زيارة رسمية لبوتين إلى الصين في الأسابيع القادمة، فمن المرجح أن تشمل محاورها:
رفع التبادل التجاري إلى 300 مليار دولار بحلول 2030
التسريع في تنفيذ “قوة سيبيريا 2” لنقل 50 مليار م³ من الغاز سنويًا
مناقشة إطلاق آلية تسويات مالية ضمن “بريكس”
إرسال رسالة سياسية مضادة للضغوط الغربية وتأكيد التنسيق الاستراتيجي بين موسكو وبكين
تُظهر الشراكة الاقتصادية بين روسيا والصين توجهًا واضحًا نحو الاستقلال المالي عن الغرب عبر تعزيز التجارة بالعملات المحلية، وتطوير نظم مالية بديلة، في خطوة تهدف إلى مقاومة العقوبات الغربية وتحقيق تكامل اقتصادي أعمق.
ورغم التحديات، تواصل الدولتان توسيع تعاونهما في الطاقة والبنية التحتية والأنظمة المصرفية، ضمن مسار طويل المدى قد يُسهم في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي.