نتنياهو الذي يقاتل مِن بعد قومي وديني يهودي، وينخرط في جرائم حرب وإبادة جماعية لأجل تأمين إسرائيل وشعبها، تهان كرامته في مجلس الكنيست وفي وسائل الإعلام مِن قبل معارضيه وأبناء شعبه، لأنَّهم يرون أنَّ كونه مسئولًا لا يمنع مِن بيان كذبه وفساده وخطئه ومعارضته. وهو في المقابل لا يستطيع أن يمنعهم أو يكتِّم أفواههم، أو يرمي بهم في غياهب سجون خفية، أو يختطفهم ويعذِّبهم، أو يفصلهم مِن وظائفهم، أو ينفيهم مِن إسرائيل.
إنَّ النظام السياسي في إسرائيل لا يعطي قداسة للحاكم والمسئول مهما فعل، فالكلمة العليا هي للشعب باعتباره التمثُّل الحقيقي للقومية، ولأنَّ المسئولين مجرَّد عابرين على الوظيفة.
وهناك قضايا مرفوعة ضدَّ نتنياهو في المحاكم، ورغم ذلك ليس هناك حصانة يتمتَّع بها أمام القانون، واليوم رفضت المحكمة المركزية في إسرائيل طلب نتنياهو تأجيل محاكمته بتهم الفساد لمدَّة أسبوعين!
هذا الوضع الداخلي، مع اختلافنا الديني والأخلاقي مع اليهود، لكنَّه وضع صحيح، هم فيه أقرب للصواب والحقِّ مِن بلداننا الذي يستحيل فيه الحاكم فرعونا لا يسأل عمَّا يفعل، ولا يعترض عليه، ولا يحاسب أو يعاقب، فضلًا عن أن يعزل، ولا ينكر عليه، ويستحيل إلى أكبر سارق وفاسد ولا يمكن لأحد أن يرفع ضدَّة قضية، وإذا تجرَّأ لن يكون في مأمن!
ولهذا أنظمتنا وشعوبنا في ذلَّة أمام هذا الكيان المحتل، وصدِّقوني أنَّ الأمر لا يتوقَّف على سلاح وجيش، فلدى دول المنطقة سلاح وجيوش قادرة على إحراق الكيان، لكنَّنا شعوب ذلَّت لحكَّامها وطأطأت لمسئوليها وقبلت أن يتسيَّد الفاسد الفاجر، وأمدَّته بأسباب الطغيان والعدوان. والشعوب التي لا تنهض ضدَّ جلَّاديها وفاسديها وظالميها أيَّا كانوا ليست جديرة أن تخرج مِن الذلِّ والتيه.
إنَّنا شعوب تغطِّي على الفاسد في القبيلة، وفي المؤسَّسة، وفي الجماعة، وفي الحزب، وفي الجهاز الحكومي، وفي السلطة، وتتعايش مع فساده، وتشكره على الفتات الذي يلقيه لها، ثمَّ تقبِّل يده ورأسه وكتفه.