هزت الضربات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية في طهران وأصفهان ونطنز العالم، ليس فقط بسبب شدتها، بل لما حملته من رسائل استراتيجية. في كوريا الشمالية، كانت العيون تترقب بحذر، ليس خوفًا من الانفجارات، بل تأكيدًا على عقيدة الردع النووي التي تمسكت بها بيونغ يانغ منذ عقود. الحرب بين إيران وإسرائيل لم تكن مجرد صراع إقليمي، بل فتحت نقاشًا عالميًا حول السلاح النووي: من يملكه؟ من لا يملكه؟ ولماذا؟
تأثير الضربات على سياسات الردع النووي
الضربات الأمريكية والإسرائيلية على إيران، التي استهدفت مواقع مثل فوردو ونطنز، أرسلت رسالة واضحة: الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية قد تكون عرضة للهجمات الاستباقية. تقرير استخباراتي أمريكي أشار إلى أن الضربات أخرت البرنامج النووي الإيراني ببضعة أشهر فقط، مما يعزز قناعة الدول المعادية للغرب بأن السلاح النووي هو الضمان الوحيد ضد التدخل الخارجي.
كوريا الشمالية، التي تمتلك ترسانة نووية تضم 40-50 رأسًا نوويًا، رأت في هذه الضربات تأكيدًا لاستراتيجيتها. بيان رسمي مقتضب من بيونغ يانغ أكد أن “الردع الاستراتيجي غير قابل للنقاش”، مع تقارير عن رفع جاهزية منشآت التخصيب في يونغبيون.
تجارب ليبيا (التي تخلت عن برنامجها النووي في 2003 ثم أطيح بنظامها في 2011) وأوكرانيا (التي تخلت عن أسلحتها النووية في 1994 ثم تعرضت لغزو روسي) عززت قناعة كوريا الشمالية بأن التخلي عن السلاح النووي يعني الانهيار. الضربات على إيران، التي لم تصل بعد إلى مرحلة امتلاك السلاح، أكدت هذا الاعتقاد، مما دفع بيونغ يانغ إلى تعزيز تحالفها مع روسيا وتسريع برامجها الصاروخية.
هل تتجه دول غير نووية نحو التسلح؟
الضغوط الجيوسياسية الناتجة عن الضربات على إيران، إلى جانب تراجع الثقة في الحماية الغربية، قد تدفع دولًا إقليمية إلى إعادة التفكير في برامجها النووية:
تركيا: تمتلك بنية تحتية نووية مدنية متقدمة، مثل محطة “آق قويو”، وشبكة أبحاث قوية. تصريحات مسؤولين أتراك سابقًا أشارت إلى إمكانية السعي لتطوير قدرات نووية إذا شعرت أنقرة بتهديد إقليمي.
السعودية: أعلنت مرارًا أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا امتلكت إيران سلاحًا نوويًا. برنامجها النووي السلمي، المدعوم دوليًا، قد يتحول إلى عسكري إذا تصاعدت التوترات.
مصر: رغم اهتمامها التاريخي بالطاقة النووية منذ الخمسينيات، تواجه قيودًا اقتصادية تحول دون تطوير برنامج نووي عسكري على المدى القصير.
ومع ذلك، أي خطوة نحو التسلح النووي ستواجه عقبات دولية، بما في ذلك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) والضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
دول مثل ألمانيا واليابان، الحليفتان التقليديتان للولايات المتحدة، قد تعيدان التفكير في سياساتهما النووية إذا استمر تراجع الثقة في المظلة الأمريكية، خاصة في ظل سياسة ترامب “أمريكا أولًا”. لكن التزامهما بمعاهدة NPT والقيود القانونية تجعل هذا السيناريو غير مرجح حاليًا.
إيران: هل أصبحت الضربات حافزًا للتشدد؟
تقارير استخباراتية تشير إلى أن إيران تمتلك 400 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهو ما يكفي لصنع 10 قنابل نووية إذا تم تخصيبه إلى مستوى عسكري. الضربات الأخيرة، التي استهدفت مواقع مثل فوردو وأصفهان، لم تدمر المخزونات النووية المخزنة في مناجم عميقة، مما عزز قناعة طهران بضرورة تجاوز “العتبة النووية”. تصريحات برلمانية إيرانية وصفت الضربات بأنها “درس استراتيجي”، مما يشير إلى احتمال تسريع برنامج التخصيب.
أين تقف الدول العربية من السباق النووي؟
الدول العربية، مثل السعودية والإمارات ومصر، تمتلك برامج نووية سلمية، لكنها تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتطوير أسلحة نووية على المدى القصير. السعودية، على سبيل المثال، بدأت في بناء مفاعلات بمساعدة دولية، لكنها بعيدة عن تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية. مصر تواجه قيودًا اقتصادية، بينما تلتزم الإمارات باتفاقيات عدم الانتشار.
تعتمد دول الخليج على الحماية الأمريكية، لكن الضربات على إيران أثارت تساؤلات حول موثوقية هذه الحماية. السعودية أبدت اهتمامًا بتطوير قدرات ردعية مستقلة، بينما تظل مصر أكثر تحفظًا بسبب أولوياتها الاقتصادية. إسرائيل، التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة، ستراقب أي تحرك عربي نحو التسلح النووي بعين الريبة، مع دعم غربي لمنع ذلك.
هل نحن أمام سباق تسلح نووي جديد؟
الضربات على إيران قد تؤدي إلى سباق تسلح نووي إقليمي في الشرق الأوسط، خاصة إذا شعرت دول مثل السعودية وتركيا بأن التوازن الإقليمي قد اختل. هذا السباق، رغم أنه لم يبدأ بعد، يظل محتملاً إذا استمرت التوترات.
الضربات الاستباقية على إيران أعادت إحياء فكرة “العقيدة الوقائية”، التي تبرر الهجمات على برامج نووية قبل اكتمالها. هذا النهج قد يدفع دولًا أخرى إلى تسريع برامجها النووية للوصول إلى مرحلة الردع قبل أن تصبح أهدافًا.
الضربات على إيران لم تضعف طهران فحسب، بل أيقظت شهية دول أخرى لتقليد النموذج الكوري الشمالي. في عالم تتحكم فيه القوة، يبدو السلاح النووي جوازًا للبقاء على طاولة الكبار. مع تصاعد التوترات الإقليمية، تبقى الأسئلة مفتوحة: هل ستدخل الدول العربية السباق النووي؟ وهل سيعيد العالم تشكيل معادلة الردع؟
