عاشت الجزائر بين عامي 1991 و2002 واحدة من أكثر الفترات دموية في تاريخها الحديث، عُرفت باسم “العشرية السوداء”. اندلعت خلالها مواجهات مسلحة عنيفة بين قوات الأمن الجزائرية وجماعات إسلامية مسلحة، خلّفت ما يزيد عن 200 ألف قتيل وفق تقديرات غير رسمية، إلى جانب آلاف المفقودين وملايين المتضررين نفسيًا واجتماعيًا
تعود جذور الأزمة إلى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حين أطلق النظام الجزائري إصلاحات سياسية بعد احتجاجات أكتوبر 1988. سمحت هذه الإصلاحات بالتعددية الحزبية لأول مرة منذ الاستقلال، مما أفسح المجال لظهور الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
في الانتخابات البلدية عام 1990، حققت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزًا كاسحًا، وكانت في طريقها لتحقيق انتصار مماثل في الانتخابات التشريعية عام 1991. لكن الجيش تدخل، وأوقف العملية الانتخابية، وأجبر الرئيس الشاذلي بن جديد على الاستقالة. تم حل الحزب واعتقال قياداته، ما أشعل فتيل مواجهة دامية مع السلطة.
ظهرت بعد ذلك تنظيمات مسلحة متعددة، أبرزها الجيش الإسلامي للإنقاذ، والجماعة الإسلامية المسلحة (GIA)، التي مارست أعمال عنف دموية شملت اغتيالات وتفجيرات ومجازر جماعية ضد المدنيين. من أبرز هذه المجازر ما وقع في بن طلحة والرايس والرمكة، والتي خلّفت صدمة داخلية ودولية وسط غياب شبه تام للمحاسبة.
مع تولي عبد العزيز بوتفليقة الحكم عام 1999، طرح مشروع “قانون الوئام المدني” الذي دعا المسلحين إلى إلقاء السلاح مقابل العفو، وتمت المصادقة عليه في استفتاء شعبي. وقد أسهم القانون في تقليص حدة العنف بشكل ملحوظ، خصوصًا بعد إعلان الجيش الإسلامي للإنقاذ وقف العمل المسلح.
في عام 2005، عززت الدولة هذا التوجه من خلال “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية”. ورغم نتائجه على مستوى الأمن، إلا أن الميثاق أثار جدلًا واسعًا بسبب استبعاده لمحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وتجاهله لمطالب عائلات المفقودين والضحايا.
رغم مرور أكثر من عشرين عامًا على نهاية الصراع، لا تزال الجزائر تحمل آثار تلك المرحلة. وتستمر المطالب بالكشف عن الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين، وجبر الضرر للضحايا، وسط انقسام في الرأي العام بين من يدعو لفتح الملفات، ومن يفضّل طيّ الصفحة باسم الاستقرار. وفقة: وكالة الأنباء الجزائرية (APS)، فرانس برس (AFP)، رويترز، هيومن رايتس ووتش.