شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في أنشطة التجسس والإرهاب التي تنفذها أجهزة النظام الإيراني خارج حدود إيران، ما أثار قلقًا متزايدًا لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في العديد من الدول الأوروبية والعالمية، لا سيما ألمانيا.
وتعكس هذه الأنشطة استراتيجية النظام في تصدير أزماته الداخلية عبر شبكات سرية تستهدف معارضيه، والجاليات الإيرانية، والمؤسسات الدينية والثقافية، إضافة إلى محاولات التأثير على السياسات الدولية.
في أحدث التطورات، أعلنت النيابة العامة الألمانية في يوليو 2025 عن اعتقال جاسوس دنماركي الأصل يعمل لصالح المخابرات الإيرانية، متهم بجمع معلومات استخباراتية عن مؤسسات وأفراد يهود في برلين بهدف التحضير لهجمات محتملة.

وقد تم توقيف هذا الشخص في مدينة آرهوس الدنماركية، ومن المتوقع تسليمه إلى ألمانيا لمتابعة التحقيقات. وتشير التقارير إلى أن هذا الجاسوس التقط صورًا لمقار مؤسسات يهودية وأماكن حساسة، مما يؤكد حجم التهديد الذي تمثله شبكات التجسس الإيرانية.
ولا يقتصر الأمر على ألمانيا، فقد كشفت أجهزة الأمن في دول أوروبية أخرى عن محاولات متكررة للتجسس والتخريب، حيث تستغل إيران الجاليات الإيرانية المنتشرة في الخارج لبناء شبكات سرية تنفذ عمليات جمع معلومات، والتخطيط لأعمال تخريبية وإرهابية.
وأظهرت التحقيقات أن النظام الإيراني لا يكتفي بالتجسس، بل يدير حملات إرهابية تستهدف معارضيه في الخارج، سواء عبر اغتيالات مباشرة أو عبر دعم جماعات مسلحة تابعة له. ففي عام 2023، كشفت تقارير عن تورط الحرس الثوري في التخطيط لهجمات ضد معارضين إيرانيين في أوروبا، كما تم إحباط محاولات اغتيال في عدة دول.
وتأتي هذه العمليات في إطار سياسة النظام التي تعتمد على القمع الشديد داخليًا وتصدير العنف خارجيًا، بهدف ترهيب المعارضة وإرسال رسائل تحذيرية للمعارضين في الخارج. وقد أدانت الدول الأوروبية هذه الأعمال واعتبرتها انتهاكًا صارخًا لسيادتها وأمن مواطنيها.
وفي ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، شهدت المؤسسات اليهودية والإسرائيلية في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، زيادة في إجراءات الحماية الأمنية. فقد أعلنت السلطات الألمانية عن رفع مستوى التأهب بعد الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025، وسط مخاوف من ردود فعل إيرانية تستهدف هذه المؤسسات.
كما أكدت تقارير أمنية أن إيران تسعى من خلال شبكاتها الاستخباراتية إلى استهداف هذه المؤسسات عبر عمليات تخريبية أو إرهابية، مما دفع السلطات إلى تشديد الإجراءات الأمنية وحماية المنشآت الحساسة.
استجابة لهذه التهديدات، كثفت الدول الأوروبية من تعاونها الأمني والاستخباراتي لتبادل المعلومات ومراقبة الأنشطة الإيرانية المشبوهة. ففي ألمانيا، تعمل الشرطة الجنائية الاتحادية مع أجهزة المخابرات على رصد وتحليل تحركات الشبكات الإيرانية، كما تم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المتورطين في أعمال التجسس والإرهاب.

وعلى الصعيد السياسي، أدانت العديد من الدول هذه الأنشطة، وطالبت النظام الإيراني بوقف تدخلاته الخارجية والالتزام بالقوانين الدولية. كما تم فرض عقوبات على أفراد وكيانات إيرانية متورطة في هذه العمليات.
رغم هذه الإجراءات، يواجه المجتمع الدولي تحديات كبيرة في مواجهة أنشطة النظام الإيراني السرية، خاصة مع تطور أساليب التجسس والعمليات الإلكترونية، إضافة إلى تعقيد العلاقات الدبلوماسية مع طهران. ويؤكد الخبراء أن استمرار النظام في دعم الإرهاب والتجسس يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن الإقليمي والدولي.
ومن المهم الإشارة إلي أن أنشطة التجسس والإرهاب التي تنفذها أجهزة النظام الإيراني خارج البلاد تشكل تهديدًا جديًا للأمن الأوروبي والعالمي، وتسلط الضوء على الطبيعة العدائية للنظام تجاه معارضيه والمجتمع الدولي.
وهنا تبقى الحاجة ملحة لتعزيز التعاون الأمني الدولي وتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة هذه التهديدات، حماية حقوق الإنسان، وضمان أمن واستقرار المجتمعات المستهدفة.
.