الفرقة الناجية:
عندما قامت انتفاضة الحجارة عام 1987 في غزة انتقل شارون ليقيم في حي المسلمين بالقدس القديمة في تحد وإصرار سافر على أن القدس عاصمتهم الأبدية وأنهم لن يتركوا القدس مرة أخرى والقدس كانت أقل المدن الفلسطينية في التفاعل مع الانتفاضة ولكنها لم تسلم من الاضطرابات والقلائل، ومن أجل انتفاضة الحجارة التي شارك فيها ربما أطفال عشر سنوات فإنها بعد عشرين سنة من ضم اليهود شطري المدينة وتوحيدها (في أعقاب حرب 1967) انقسمت إلى مدنيتين مرة أخرى، وفي ذلك تقول كارين:
“وفي تلك المرة لم تكن هناك أسلاك شائكة أو منطقة ملغمة منزوعة السلاح بين القدس الشرقية والغربية، إلا أن القدس العربية صارت منطقة لا يستطيع اليهود دخولها وهم آمنون، إذ أنهم لو حدث وعبروا الحاجز غير المرئي لتعرضوا لاحتمال رميهم أو قذف عرباتهم بحجارة الصبية الفلسطينيين مع احتمال وقوع الحوادث وبذا أصبحت القدس الشرقية أرضا معادية”
هذه الانتفاضة أحيت القضية من جديد وما مباحثات السلام وما تلاها من توقيع اتفاقيات أسلو وغيرها إلا الرضوخ قسرا والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، والحقيقة أنني أرى أن هذه الإجراءات التي تلت انتفاضة الحجارة ليست إلا عملية خداع واحتواء ممنهج للفلسطينيين المنتفضين كي يبرد الحديد الساخن فلا يلهب أيدي عدوهم، ولنا أن نقول أيضا أن رجال المقاومة الذي نشأوا في هذه الأجواء التي هي نفسها من عدلت المائل الذي اقتنع به يوما ما الأجيال السابقة عليهم من الركون لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أثمرت في النهاية بسلام الشجعان بينما هو لا شيء، هو القبض على الفراغ، فقط عملهم على الأرض هو الذي مكنهم من انتزاع القدس الشرقية فلا يقربها يهودي وإلا نالته الحجارة.
وقام رئيس البلدية فيما بعد بإجراءات مجحفة ضد العرب بالقدس للحيلولة دون انقسام المدينة وجعلها موحدة إلا أنها بالفعل انقسمت فساء صباح المنذرين وكل الأنوف راغمة دون تخوم واضحة نتيجة للانتفاضة وليست نتيجة التجوال على موائد المفاوضات الكاذبة، وأصبح اليهود يتساءلون ما جدوى السيطرة على منطقة لا نستطيع الدخول إليها دون حراسة عسكرية؟!
بشهادة كارين التي تقول:
“وقد لا يعتبر الإسرائيليون أسوأ من الصليبين الذين ذبحوا السكان السابقين، أو أسوأ من البيزنطيين الذين منعوا اليهود من دخول المدينة، غير أنهم لم يصلوا قط لمثل معايير الخليفة عمر بن الخطاب السامية، فإننا حينما نتعامل مع الوضع التعس الحالي نرى أنه من المفارقات أن اليهود لم يتمكنوا من دخول المدينة المقدسة إلا في ظل الفتح الإسلامي في مناسبتين سابقتين، فقد دعا كل من عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي اليهود للاستقرار في المدينة بعد توليهما الحكم هناك محل الحكام المسيحيين”
لم تنعم القدس مدينة الثلاث شرائع بالسلام كما سمتها كارين إلا تحت الحكم الإسلامي، اليهود الذين كانوا يوما ما مستضعفين لم ينعموا بالأمن والسلام إلا تحت راية الإسلام، ديننا ليس دين محبة وإنما دين عدل ورحمة مع من نحب ومن نكره ولكن بعد أن ننتزع حقنا ونقرر مصيرنا بأيدينا وإلا عد رضوخ وذل وخنوع.
تتمة:
السرطان الذي يصيب فلسطين يصيب الأمة كلها وهذه هي القضية الأم الذي نعاني بسببها من كل ما نعانيه كتبعات لما يحدث في فلسطين، وكل ما تشكو منه قائم لكي يبقى هذا الكيان الذي لا حياة له إذا زال الفساد من بلادنا ونعمت بحياة آدمية كما كل البشر في كل الدول المتقدمة، وقد شرحها المولى عز وجل في سورة الإسراء شرحا تفصيليا، فقد أخبرنا عن العلو الكبير لليهود، وعلو اليهود لا يكون إلا إذا فسدت بلاد المسلمين وفساد بلاد المسلمين بسبب جعل كلمة الذين كفروا هي العليا (دعوات مكون تكوين)، وكلمة الله هي السفلى، إنه قرن الشيطان الذي أخبر عنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج مبحث مفصل نعود إليه لاحقا إن شاء الله.
نود التنويه والإشارة إلى شيء هام جدا وهو أن السواد الأعظم منا يظن أن عدونا يتكئ على تقدمه وقوته وأسلحته المتطورة، كلا وألف كلا فهذه ليست إلا جزء من ألف جزء أما بقية الأجزاء غير المعلنة فهي هزيمتنا النفسية وانكسارنا من الداخل والذي اشتغل على خلقه وترسيخه سنوات وسنوات، أما كيف يتحقق هذا؟ شيء واحد فقط وهو في الحقيقة كل شيء ألا وهو الرقة في الدين والتي تعني أنك تخليت، تخليت عن المنهج والطريق الذي رسمه المولى عز وجل، وإلا ما معنى أن يسقط المسلمون دولة الفرس في غضون عشر سنوات، وأسقطوا دولة الروم في سبع سنوات فكنت إذا قرأت أن جيش المسلمين ثلاثة آلاف وجيش الفرس مائة ألف في زمن الحرب تكون بمبارزة رجل لرجل توقف عقلي وشيء واحد يجعلها تمر علي
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (سورة محمد – الآية 7)
ومؤخرا جاء إلى الكيان الغاصب لفلسطين من كل دول العالم ليحاربوا معهم المقاومة في غزة وما هزموهم، فإن اعتقدت أنهم هزموا وأنت ترى بأم عينيك أن الله جعل كيد أعدائهم في تضليل فهذا يعني أنك أنت المهزوم من داخلك وليس هم، إعلام الرايات الحمر لن يخبرك أو يريك الحقيقة أبدا لكي يبقى داخلك مكسور، مصاب بالعجز والقهر فلا ترفع رأسك أبدا، هو لا ينقل إلا ما يحدث للغزاويين ولكنه لا ينقل لك ما يحدث للخنازير الذي ارتدوا الحفاضات على أيدي رجال المقاومة، صحيح أن التكلفة باهظة جدا ولكن ما هو معلوم بالضرورة أن لا نصر دون تضحيات كما الأول، لذا سيكافئهم الله بجعل بلدهم عاصمة الخلافة إن شاء الله وهم جديرون ويستحقون.
{وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (سورة النساء – الآية 104)
وهم لم يهنوا في ابتغائهم أبدا.
من الدلائل القوية التي تريك ما لا تراه أن الشيطان لا يقترب من خرب ولا يحشد أتباعه إلا للمناضلين الحقيقين بدليل عندما اندلعت الانتفاضة عام 1987 جاء شارون ليقيم بالقدس، وعندما قام رجال المقاومة باختراق حصون العدو في السابع من أكتوبر 2023 هرع المحاربون من كل الدول ليساعدوا اليهود (عن عقيدة) الذين ارتدوا الحفاضات وهذا باعتراف إعلامهم، وهذه الأرتال المحاربة التي أتت من كل صوب ونحب فبمن تظنون أن رجال المقاومة سيستعينون بهم، استعانوا بالله أولا وأخيرا ثم باتباع تعاليمه والسير على هداه فكان النصر حليفهم.
إذا تصدر المجاهدون للمشهد هرعت إليهم جحافلهم ولم يركنوا إلى حصونهم المنيعة أو هكذا هم يصدروها لنا بينما هم كيان أوهن من بيت العنكبوت، لأنهم يعرفون طبيعة من يواجهونهم وأين تكمن قوتهم، قوتهم في القرآن الذي لا يهجرونه والدين الذي يتمسكون بأهدابه، ليسوا بسماعين للكذب ولا لأعضاء تكوين الذين يريدون أن يجعلوا لهم قدم صدق وكيان متحقق في الدولة المصرية، وإن كانوا يعملون جهارا نهارا حتى وإن فض تكوينهم بقرار قضائي، أروقة إعلام الرايات الحمر كانت مفتوحة لنوال السعداوي وسيد القمني.
كثر الحديث في أيامنا عن أحداث وفتن آخر الزمان مثل انتظار المهدي المنتظر ونزول المسيح الحق الذي سيقتل المسيخ الدجال، كل هذا جيد من باب الدعوة وإعداد العدة إيمانا أولا ولكن لا يعني هذا القعود عن العمل والترقب السلبي لهذه الأحداث.