هنالك فُرص تُمنح للأمم للنهوض من كبوتها، والقيام من عثرتها، فإذا أحسنت الأمة اغتنام الفرصة، عادت للحياة من جديد، ويمكن أن نمثل لذلك بحال الدولة الأموية، حين استخلف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز، خلاف السُّنة المعهودة في الولاية اعتمادًا على الكفاءة والصلاح، فقدم للأمة الفرصة أمام الدولة للاستئناف في ظل دمٍ جديد، فكانت الفترة الاستثنائية والنهضة الإيمانية للدولة الأموية ولكن موت عمر بن عبد العزيز والذي جاء سريعا ، وعودة الخلافة في بني أمية إلى سيرتها الأولى في الحكم جعلهم دون مستوى النهوض الحضاري المنشود ودون مستوى عمر بن عبد العزيز ورؤيته الحضارية الشاملة
ومن الفرص المواتية التي مُنحت لأمتنا في العصر الحديث، ما قام به أبطال الأمة في غزة حين قُدر أن يقود مسيرة المقاومة جَمْعٌ من الأبطال على قدر من التضحية والجسارة والقوة والقدرة على المبادرة ، فقاموا بطوفان الأقصى، وكان من الممكن أن تلتقط الأمة من بعدهم زمام المبادرة للمواصلة والنهوض، وذلك بعدما حققه طوفان الأقصى من تحطيم هيبة الكيان الصهيوني وأعاد إلى المُخيلة إمكانية النصر والظفر بعد أن سعى العدو ومن يعاونه إلى تكريس فكرة الهزيمة واستحالة النصر، ولكن التعاطي مع هذه الفرصة رغم ما دفع لأجلها من ضريبة لا يزال أضعف بكثير من اغتنامها كفرصة للإقلاع الحضاري المأمول نحو النصر المأمول.
وصدق البارودي حين قال:
بادر الفرصة واحذر فوتها ** فبلوغ العزِّ في نيل الفُرص
ترى هل كانت الأمة بأسرها على قدر استيعاب الحدث واغتنام الفرصة، أم أن كل هذه التضحيات الجسيمة والدماء الذكية التي سالت لم تستطع ايقاظ الأمة من غفوتها وتنبيهها من غفلتها، سؤال مؤلم لكنه يحتاج إلى إجابة واقعية، تتُرجم إلى أعمال على الأرض، ربما إجابته تحتاج إلى دماء تُبذل، لا إلى حبر يُسطر في الأوراق يُبرر الصمت ويُشرعن للغفلة.