شهدت مصر في يونيو 2025 أزمة طاقة متفاقمة بسبب التوقفات المتكررة لإمدادات الغاز الطبيعي من إسرائيل، في ظل تصاعد التوترات العسكرية بين إسرائيل وإيران. هذه الانقطاعات، التي تزامنت مع ذروة الطلب الصيفي، أثرت على توليد الكهرباء والصناعات الاستراتيجية في مصر، مما دفع الحكومة لتفعيل خطط طوارئ والبحث عن بدائل.
تعتمد مصر بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي المستورد من حقول شرق المتوسط، مثل تمار وليفياثان، لتلبية احتياجاتها المحلية وإعادة تصدير الغاز المسال عبر محطتي إدكو ودمياط. يبلغ متوسط استهلاك مصر اليومي من الغاز حوالي 5.9 مليارات قدم مكعب، 57% منها لتوليد الكهرباء و25% للصناعات. ومع تراجع الإنتاج المحلي من حقل ظهر وغيره بسبب مشاكل فنية وتقادم الحقول، أصبح الغاز الإسرائيلي عنصرًا حيويًا لسد العجز.
في يونيو 2025، توقفت إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر والأردن بشكل مفاجئ في 13 يونيو بسبب الصراع العسكري بين إسرائيل وإيران، الذي شمل هجمات صاروخية ومسيّرات. استؤنف الضخ تدريجيًا في 18 يونيو بكميات تصل إلى 800-900 مليون قدم مكعب يوميًا، لكن توقف مرة أخرى في 22 يونيو دون إخطار مسبق.
أسباب الانقطاع
الصراع الإسرائيلي-الإيراني: بدأت الأزمة مع تصاعد الاشتباكات بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025، حيث استهدفت إيران مناطق جنوب إسرائيل القريبة من البنية التحتية للغاز، مثل أشدود ومنصات تمار وليفياثان. أدى ذلك إلى إغلاق حقل ليفياثان مؤقتًا كإجراء احترازي.
التهديدات المباشرة: تقع منشآت الغاز الإسرائيلية ضمن مدى الصواريخ والمسيّرات الإيرانية أو تلك التي تطلقها جماعات مدعومة من إيران، مما دفع إسرائيل لتعليق الإنتاج حفاظًا على الأمن.
ضغوط سياسية: هناك تقديرات تشير إلى أن إسرائيل تستخدم الغاز كورقة ضغط سياسي على مصر، خاصة في ظل التوترات حول الحرب في غزة ولبنان. بعض المصادر أشارت إلى أن قرارات خفض الإمدادات قد تكون مرتبطة بموقف مصر الرافض لخطط تهجير الفلسطينيين من غزة.
مطالب اقتصادية: إسرائيل ضغطت لزيادة سعر الغاز إلى أكثر من 8 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وهو أعلى من متوسط السوق العالمي (4-5 دولارات)، مما أثار خلافات اقتصادية مع مصر.
الصيانة: أعلنت إسرائيل في بعض الحالات أن التوقفات ناتجة عن صيانة دورية لخطوط الأنابيب، لكن هذه التبريرات شككت فيها مصادر مصرية، معتبرة أن التوقيت يشير إلى دوافع سياسية أو أمنية.
تداعيات الأزمة على مصر
انخفاض الصادرات: تعتمد مصر على إعادة تصدير الغاز المسال لتدبير العملة الأجنبية. توقف الإمدادات الإسرائيلية قلّص العوائد التصديرية، التي تجاوزت 8 مليارات دولار في 2022.
ارتفاع تكاليف البدائل: اضطرت مصر لاستيراد الغاز المسال بتكلفة عالية (حوالي 2.5-3 مليارات دولار لـ60 شحنة في 2025)، مما زاد الضغط على احتياطيات العملة الصعبة.
توقف الصناعات: أدى نقص الغاز إلى توقف مصانع الأسمدة والإسمنت، مما رفع أسعار هذه السلع وأثر على الأمن الغذائي والصناعي.
انقطاعات محتملة: تستهلك محطات الكهرباء 57% من الغاز في مصر. نقص الإمدادات الإسرائيلية أجبر الحكومة على استخدام المازوت والسولار، مما زاد التكاليف وأثر على استقرار الشبكة.
خطة طوارئ: أعلنت الحكومة عن تفعيل خطة طوارئ تشمل إيقاء إمدادات الغاز للصناعات واستخدام سفن التغويز لاستيراد الغاز المسال، مع زيادة استهلاك المازوت في محطات الكهرباء.
عدم الارتياح الشعبي: تسببت الانقطاعات المتكررة في استياء شعبي، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وزيادة الضغوط الاقتصادية.
انتقادات من رجال الأعمال: انتقد رجل الأعمال نجيب ساويرس اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، واصفًا إياه بـ”الغاز السياسي” الذي يمكن أن يُستخدم للضغط على مصر.
خطة الطوارئ: فعّلت وزارة البترول خطة طوارئ تشمل:
إيقاف إمدادات الغاز للصناعات لتأمين احتياجات محطات الكهرباء.
استيراد 60 شحنة غاز مسال بقيمة 2.5-3 مليارات دولار من شركات مثل شل وتوتال إنرجيز.
تسريع ربط سفن التغويز بالشبكة القومية في ميناء السخنة.
تنويع المصادر: بدأت مصر مفاوضات مع قطر لاستيراد الغاز، بهدف تقليص الاعتماد على إسرائيل، خاصة بعد الخلافات حول الأسعار والضغوط السياسية.
زيادة الإنتاج المحلي: تسعى الحكومة لزيادة الإنتاج من الحقول المحلية إلى 500 مليون قدم مكعب يوميًا بحلول نهاية 2025، مع تحسين شروط التعاقد مع الشركات الأجنبية.
هشاشة أمن الطاقة: أظهرت الأزمة مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للغاز، خاصة من دولة تواجه توترات جيوسياسية.
الضغوط السياسية: استخدام إسرائيل للغاز كأداة ضغط يعزز الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي.
التحديات الاقتصادية: نقص العملة الصعبة يحد من قدرة مصر على استيراد الغاز المسال بكميات كافية، مما يتطلب تمويلًا طارئًا أو دفعًا آجلًا.
أزمة انقطاع الغاز الإسرائيلي في يونيو 2025 كشفت عن تحديات أمن الطاقة في مصر، مع تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة. رغم جهود الحكومة لتفعيل خطط الطوارئ وتنويع المصادر، فإن الاعتماد الكبير على الغاز الإسرائيلي يظل نقطة ضعف استراتيجية. تتطلب الاستجابة طويلة الأمد استراتيجية شاملة لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الطاقة لضمان الاستقرار.