في خطوة ثقافية جريئة تعيد تسليط الضوء على حضارة تغرق في أتون الحرب، يستضيف معهد العالم العربي في باريس معرضًا استثنائيًا بعنوان: “كنوز غزة المحمية: 5000 سنة من التاريخ”، وذلك في الفترة من 6 يوليو حتى 5 نوفمبر 2025.
تراث تحت القصف
المعرض، الذي يُنظَّم بالشراكة مع مؤسسة “التراث الفلسطيني”، يسلّط الضوء على تاريخ غزة الغني عبر العصور، من العصر البرونزي وصولًا إلى العهد العثماني، من خلال مجموعة من القطع الأثرية النادرة التي تم إنقاذها من متاحف ومواقع أثرية في قطاع غزة، معظمها أُخرج من المنطقة قبيل الحصار والحروب المتكررة.
ويقدّم المعرض مزيجًا فريدًا من القطع المعمارية، والأواني الفخارية، والتماثيل الصغيرة، والفسيفساء الرومانية، بالإضافة إلى شواهد قبور إغريقية ونقوش آرامية، مما يشهد على غنى المدينة الواقعة على مفترق طرق الحضارات.
بين الجمال والدمار
لا يكتفي المعرض بالعرض الجمالي والتاريخي، بل يُبرز أيضًا الدمار الممنهج الذي طال التراث الفلسطيني، إذ تُعرض صور فوتوغرافية التُقطت داخل مواقع أثرية قبل تدميرها، مثل “متحف قصر الباشا” و”حمام السمرة”، إضافة إلى توثيق لآثار القصف الذي طال كنائس ومساجد ومدارس تاريخية.
وفي تصريح خاص، قال جاك لانغ، رئيس المعهد:
“غزة ليست فقط عنوانًا للألم، بل موطنٌ لحضارات عظيمة عاشت على أرضها، وما نحاول فعله هنا هو حفظ الذاكرة الثقافية قبل أن تندثر تمامًا”.
رسالة سياسية ناعمة
يحمل المعرض أبعادًا سياسية ناعمة، من خلال استخدام الثقافة كأداة مقاومة، عبر تذكير العالم بأن هناك إرثًا إنسانيًا مشتركًا يُباد بصمت، وبأن الحروب لا تدمر الحاضر فقط، بل تمحو جذور الشعوب ومستقبلها الثقافي.
وتقول منى الدجاني، الباحثة في شؤون التراث الفلسطيني:
“كل قطعة معروضة هنا هي شهادة على أن شعب غزة لم يكن مجرد ضحية، بل وريث حضارات ممتدة، وصاحب تاريخ يستحق أن يُروى”.
إشادة دولية وانتقادات خافتة
قوبل المعرض بترحيب واسع من المثقفين الأوروبيين، بينما أثار اعتراضات غير رسمية من جهات تعتبر المعرض “تحريضيًا”، إلا أن منظّميه يؤكدون أن الهدف هو “إنقاذ التراث لا تأجيج الصراع”.
غزة… ليست مجرد خبر عاجل
بين فخارية من العصر الكنعاني، وشظايا حديثة تركتها غارة جوية، يقف الزائر أمام لوحة بانورامية تقول: هنا كانت حضارة، وهنا ما زالت تصرخ من تحت الركام.
يبقى المعرض دعوة مفتوحة لتقدير قيمة الإنسان من خلال موروثه، وصرخة ثقافية في وجه النسيان، وأملًا بأن تعود المتاحف يومًا إلى غزة، لا أن تُنقل غزة إلى المتاحف.