فرضت الصين في أبريل الماضي قيودًا صارمة على تصدير مغناطيسات الأرض النادرة، ما تسبب في هبوط حاد بنسبة 75٪ في صادراتها العالمية خلال شهر واحد فقط، بحسب تقرير لوكالة رويترز صدر في 7 يوليو الجاري. هذه القيود جاءت ردًا على الإجراءات التجارية الأمريكية ضمن تصعيد متبادل في التوترات الاقتصادية بين البلدين.
الصين، التي تنتج نحو 90٪ من مغناطيسات الأرض النادرة المستخدمة في مختلف الصناعات، تُعد المصدر الأول عالميًا لهذه المواد الحيوية التي تدخل في تصنيع السيارات الكهربائية، الهواتف الذكية، المعدات الطبية، والأسلحة الدقيقة. ومع بدء تنفيذ القيود في أبريل، سجلت صادرات المغناطيس الصيني أدنى مستوى لها منذ عام 2020، وفقًا للرسم البياني المرفق الصادر عن جهات دولية لرصد حركة التجارة.
تداعيات مباشرة على الصناعات الكبرى
مصانع السيارات كانت من بين أول المتضررين من القرار الصيني، إذ اضطرت شركات كبرى مثل نيسان إلى تقليص خطط إنتاج طرازاتها الكهربائية الجديدة نتيجة نقص المغناطيسات، وفق ما ذكرته وكالة “كيودو” اليابانية. وأكدت شركة وود ماكنزي للأبحاث أن بعض خطوط الإنتاج في أوروبا وأمريكا توقفت بالفعل بسبب شح الإمدادات، وسط تقديرات بأن مخزون العديد من المصانع لا يغطي أكثر من شهرين قادمين.
ويقول خبراء في الصناعة إن اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن هذه الأزمة تمثل تحديًا حقيقيًا للقطاع، حيث من المتوقع أن تتضاعف أسعار المكونات خلال الأشهر المقبلة. وأشار أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة “Neo Performance Materials” إلى أن تكلفة الإغلاق المؤقت لخط إنتاج واحد بسبب النقص تفوق بكثير الفارق في السعر الذي قد يُدفع للحصول على بدائل أسرع من مصادر أخرى.
ارتفاع الأسعار وتكاليف إضافية على الشركات
أدت القيود الصينية إلى اضطرار المشترين إلى دفع أسعار أعلى بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20٪ للمغناطيسات المستوردة من دول بديلة. ووفقًا لتقرير نشرته منصة FastBull، فإن تكلفة إنتاج السيارات الكهربائية ارتفعت بمعدل يتراوح بين 20 إلى 120 دولارًا لكل سيارة، الأمر الذي دفع بعض الشركات إلى إعادة هيكلة ميزانياتها أو مراجعة أسعار منتجاتها النهائية.
دول تبحث عن بدائل.. وتحرك استراتيجي عالمي
ردود الفعل لم تتأخر. فالهند دعت إلى استراتيجية وطنية لضمان تأمين المواد الخام الحيوية بعد أن زاد اعتمادها على الصين لأكثر من 60٪ من احتياجاتها من مغناطيسات النيوديميوم. أما الولايات المتحدة وأستراليا فقد أعلنتا استثمارات ضخمة لإنشاء سلاسل توريد مستقلة، وصلت قيمتها في أمريكا وحدها إلى نحو 1.4 مليار دولار.
وفي المقابل، أقرّ الاتحاد الأوروبي قانون “المواد الخام الاستراتيجية”، الذي يهدف إلى تقليل الاعتماد على الصين بنسبة 98٪ الحالية إلى أقل من 65٪ بحلول عام 2030، عبر التنقيب المحلي والاتفاقات الثنائية مع دول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
تحديات واقعية في مواجهة الهيمنة الصينية
رغم التحركات الدولية، يؤكد خبراء الجيولوجيا والصناعة أن بناء سلاسل توريد بديلة لن يكون سريعًا. إذ تتطلب مشاريع التنقيب والمعالجة فترات زمنية قد تصل إلى 15 عامًا، بالإضافة إلى تمويلات ضخمة وإجراءات تنظيمية معقدة، خاصة في الدول الغربية التي تفرض ضوابط بيئية صارمة.
وفي الوقت ذاته، بدأت بعض شركات السيارات الأوروبية مثل رينو وبي إم دبليو بتطوير محركات لا تعتمد على مغناطيسات الأرض النادرة، لكن هذه التقنيات لا تزال في مراحلها الأولى، وقد لا تكون قابلة للتعميم على نطاق واسع قبل منتصف العقد المقبل.
مستقبل قاتم أم فرصة للتوازن؟
يرى محللون أن القيود الصينية كشفت هشاشة سلاسل الإمداد العالمية واعتمادها شبه الكامل على قوة واحدة مهيمنة في سوق المعادن الاستراتيجية. لكن في المقابل، تمثل الأزمة الحالية فرصة لتحفيز الابتكار، وتسريع خطوات تنويع الموارد، وتعزيز الشراكات الدولية في مجال الطاقة النظيفة والصناعات الدقيقة.
وبينما تسعى الدول إلى تدارك آثار الأزمة، يبقى السؤال المطروح: هل تنجح الأسواق العالمية في كسر الاعتماد على الصين دون أن تدفع ثمنًا اقتصاديًا باهظًا؟