مقدمة لحقيقة غائبة وجب التنويه عنها.
لم نبالغ القول، أن إيران كانت البذرة الأولى وجوداً قبل الكيان الإسرائيلي لخلق إرباك متتالي للمنطقة العربية، وحتى لا يشغب القوم علينا من هنا أوهناك، فثمة شواهد متجذره لا حصر لها، منها ما تم تأريخه منذ الدولة العباسية مروراً بالدولة السلجوقية والعصر الذهبي للمماليك حتى الدولة العثمانية وما بعدها، وحديثاً، دورها في مساعدة القوات الأميركية برياً لاحتلال العراق في حرب الخليج الثالثة في 19 مارس 2003.، ومن هذه الشواهد ما تم تسطيره في كتب التاريخ على استحياء مراعاة لتوازن القوى والمصالح التي تدفن في المقابل الحقائق التاريخية لتحقيق مكاسب زهيده، التي كان مردودها تمييع أجيال نشأت على مغالطات متراكمه وعزله عن حقيقة التاريخ وخباياه، وسنُبيّن لاحقاً جانب من هذه الشواهد التي تعزز زعمنا.
قراءة تاريخية سريعة لفترة ما قبل احتلال بلاد فارس للأحواز.
عند قراءة الفترة التاريخية التي سبقت احتلال (بلاد فارس) لإمارة الأحواز العربية بمباركة بريطانيا (جدير بالإشارة أن الإنجليز هم من أنشأوا الكيان الإسرائيلي، وهم أيضاً من أنشأوا إيران بعد أن كانت تُسمى بلاد فارس) !، وإسهام الإنجليز في احتلال (رضا بهلوي) للأحواز لم يكن في رسمي محض صدفه بل تم تخطيطه بين (البهلويين) والإنجليز.. وأساس الأمر انه قرار إنجليزي له بُعد مستقبلي استراتيجي، بقيام دولة إيران كبديل عن دولة الفرس التي تفتت ممتلكاتها عبر الفتح العربي الإسلامي، واستيلاء روسيا على معظم أملاكها في اسيا، ومعلوم بالضرورة أن إنشاء دوله يحتاج في المستوى الأول لمقدرات اقتصادية تعتاش عليها لكي تمارس دور الدولة المحورية.. ولكى تُقيم علاقات نديه مع دول الجوار، فكانت الهديه الثمينة التي تحقق هذا الهدف هو احتلال إمارة الأحواز العربية التي تضم (خمس وثمانين في المائة من الناتج القومي الحالي لإيران)، وهذا ما يفسر لماذا ارتأت بريطانيا حتمية ضم إيران لإمارة الأحواز العربية!
جانب من دور الإنجليز في بيع إمارة الأحواز العربية للفرس.
وما يجب ذكره في هذا الصدد اللقطة التاريخية التي قام فيها الإنجليز باختطاف الأمير (خزعل الكعبي) أخر الأمراء وتسليمه لإيران ليتم إعدامه، وقد سبقت هذه اللقطة التاريخية تخطيط إجرامي ساهمت فيه بريطانيا مع بعض شيوخ شيعه من (ذوى الأصول الصفوية الفارسية) بأن أوعزت لهم بضرورة الخروج على الأمير (خزعل الكعبي) حاكم إمارة (عربستان) التي يدين الجزء المتاخم للعراق والخليج العربي بالمذهب السنى على عكس الجزء المتاخم لإيران يدين غالبه بالمذهب الشيعي (مع مراعاة الحفاظ على هويتهم العربية)، وكانت هذه الفتوه مقدمه من المقدمات التي شرعنت لاحتلال إمارة)عربستان)!.
حقبة ما قبل إبرام معاهدة ارضروم 1823.
ثمة حقبة تاريخية يجب أن نُعرّج عليها قبل الحديث عن معاهدة (ارضروم) الأولى 1823 بين (القاجريين) والدولة العثمانية، هذه الحقبة التاريخية تلخصها ثلاث معاهدات بين بلاد فارس وروسيا، أولها معاهدة (كلستان) 1813 وفيها اعترفت فارس بأحقية ضم روسيا (جورجيا)، ليس هذا فقط، بل تنازلت عن غالبية شمال القوقاز لروسيا،ثم المعاهدتين (تركمانجي) 1828التى تعترف فيها الدولة الفارسية لروسيا بالسيادة الكاملة على منطقة شمال نهر اراس (أرمينيا، وجمهورية أذربيجان ) حالياً، ومعاهدة (اخال) 1881الكارثيه، وهاتين المعاهدتين الأخيرتين أفقدتا بلاد فارس مساحات واسعه من أراضيها تُقدر بمائتين الف كم2، مما دفع الشاه (بهلوي) لقولته المشهورة ’’ لو كان الأمر بيدي لِما أخترت روسيا جاره”.
تم إبرام معاهدة (أرضروم 1823) بين (القاجريين) الذين حكموا بلاد فارس في ذاك الوقت، وبين الدولة العثمانية التي كانت منطقة الأحواز ضمن مناطق سيطرتها وقتئذ، جاءت المعاهدة نتيجة صراع حدودي غير منقطع بين الدولتين، فبلاد فارس ترمق بعيون مستطلعه نحو العتبات المقدسة النجف وكربلاء، وتسعى بديناميكية و(تحريض روسي) لتعويض الخسارة التي لحقت بها عبر الصراع التاريخي مع الروس، لذلك كانت تهاجم الداخل العراقي من السلمانية مستغله سوء العلاقة بين الكرد في هذه المنطقة الذين كانوا يساعدون الفرس في احتلال بعض المناطق الحدودية.
أهم المواد التي جاءت في معاهدة أرضروم 28 يوليو/تموز 1823.
يمكن القول أن اتفاقية أرضروم الأولى 1823 حققت فقط الهدوء النسبي للجانبين الفارسي والعثماني، عمد كلا الطرفين إلى المعاهدة المعقودة بينهما 1746 كأساس لمعاهدة أرضروم الأولى التي بُنِيَت على سبعة مواد، أهمها عدم القيام بأعمال من شأنها خلق مناخ من الكراهية بين الدولتين، تعهد الحكومة الفارسية فور توقيع الاتفاقية بإعادة جميع القلاع والأراضي والمدن والقرى التي استولت عليها في مده أقصاها ستين يوماً للدولة العثمانية، إطلاق صراح الرعايا الأسرى لكلا الدولتين وعودتهم إلى بلادهم على النفقة الخاصة لكل دوله، عدم التدخل في الشؤون الداخلية.. وبشكلٍ خاصٍ عدم تدخل الدولة الفارسية في شؤون الأكراد في العراق، مراعاة حجاج الدولة الفارسية بنفس الكيفية التي يُراعى بها سائر المسلمين في الدولة العثمانية.. وكذلك في تحصيل الضرائب على البضائع، إعادة ومنع قبول الهاربين من أبناء كلا الدولتين، وكذلك رعت الاتفاقية التمثيل الدبلوماسي بين البلدين والسفراء، واختتمت معاهدة أرضروم الموقعة في 28 يوليو تموز 1823 بصرف النظر عن المطالبة بتعويض الخسائر وعدم فتح مجال لخصومات بين الدولتين.
حتمية الاستمساك بالمخزون الحضاري كي لا تموت القضية.
عندما تنحصر عرقية ما ذات أصول بيلوجية محددة، أو اثنيه، داخل قمع قومي وتاريخي محض، تلجأ إلى الاستمساك بمخزونها الحضاري واستدعاء كل الموروثات في الممارسة الحياتية حتى لا تنهار قضيتها الأم، ولضمانة إحياء القضية المركزية عبر الأجيال المتلاحقة، تعيش الصراع حاله مستمرة بعينٍ يقظهٍ واستحضار متقد، كي لا يتسرب النسيان لزواياها وتغدو القضية كالعصف المأكول، وفق هذه المعادلة تصبح كل تضاعيف الحياه اليومية ومفرداتها خيارات إستراتيجيه، حتى اللباس الشعبي، وهذا هو الإسقاط المناسب لأهلنا الأحواز تحت وطأة المحتل الإيراني.
معاهدة أرضروم الثانية 1847م.
الباحث في سطور التاريخ يخلص إلى حقيقة جليه.. أن الدولة الفارسية لم تطبق معظم المعاهدات (الحدودية) التي تم إبرامها مع الدولة العثمانية على أرض الواقع، ومعاهدة أرضروم الثانية بين الدولة الفارسية ودولة الخلافة العثمانية في 31 مايو ايار عام 1847، جاءت فور انتهاء حرب اندلعت بين الطرفين، وتُعد أرضروم الثانية 1847 التي تمت بوساطة روسيه بريطانية الأهم من ناحية ترسيم الحدود على المنطقة المتنازع عليها بين البلدين، حيث حصلت الدولة الفارسية آنذاك على (المحمرة) وتوابعها.. والمحمرة هي إحدى مدن الأحواز المحتلة التي يطلق عليها الإيرانيون (خرمشهر)، كما حصلت دولة الخلافة العثمانية آنذاك على السليمانية وتوابعها.
جدير بالذكر أن الصراع كما أسلفنا لم يفتر بين دولة فارس والدولة العثمانية آجالاً طويلة كالعادة، فمع بداية القرن العشرين برزت الخلافات الحدودية مجدداً مع ظهور النفطـ بين الدولتين، مما دفع الطرفين في الرابع من أكتوبر تشرين الأول 1913 لتوقيع ما عُرف ب(بروتوكول الأسيتانة) لترسيم الحدود من جديد بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية، وبموجب البروتوكول أضحى خط الحدود يمر من منتصف شط العرب لمسافة أربعة أميال أي ما يقرب من سبعه كلم2، ويتكون شط العرب من التقاء نهر دجلة والفرات من مدينة القرنة شمال البصرة لينتهي عند مصبيه في الخليج العربي أقصى جنوب العراق.
اتفاقية الجزائر مارس ازار1975 م.
في الواقع جاء إعلان الجزائر في مارس ازار 1975 بمبادرة من الرئيس الثاني بعد الاستقلال للجزائر الراحل محمد بن إبراهيم بوخروبه وشهرته (هوارى بومدين) التي بموجبها تم تسوية النزاعات الحدودية المشتركة بين دولة العراق بقيادة الراحل صدام حسين ودولة إيران، والتي كان أبرزها النزاع على شط العرب التي حددها (بروتوكول الاسيتانة) التي أشرنا إليها في السطور القليلة السابقة.
الحركات التحررية كمكون حتمي.
الحركات التحررية أحد أهم مخرجات الوجود الاستعماري، كمكون حتمي لشق فج نحو هندسه تنظيمية وحنجورية تستفز مشاعر التحرر لدى العقل الجمعي وإثارته دوماً، ودون هوادة، ضد العدو الصائل الناهب لمقدراته، والسُنن التاريخية خير شاهد وأرفع دليل على أن المواجهة هي المِعّوَل الأكثر فعالية لهدم قوى التسلط للمحتل، ورفع ومراقبة مؤشرات درجات الوعى المجتمعي القسوى حتى لا تستكين العزائم لحين ساعة الصفر وقت اللقاء في ساحات الوغى، وحتى لا يشذّب المحتل الألسنة، أو يسهل عليه قطع الرؤوس المرفوعة.
اتفاقية الجزائر 1975 وما بعدها.
جدير بالذكر أن اتفاقية الجزائر بين الجانبين (الإيراني) والعراقي برعاية الرئيس الجزائري الراحل هوارى بومدين جاءت على عكس التوقع، أو كمن سكب الكاروسين على الرماد إذا جاز لنا التوصيف!، فقد تنازلت العراق عن نصف ملكيتها في شط العرب، مع اعتراف اتفاق 1975 بعائدية المرتفعات ألشرقية على مهران إلى العراق، لكن الشاه بهلوي تلكأ في إعادتها…كما رفض المعممون بتعنُت ذلك أيضاً لاحقًا، حين خاطبتهم الخارجية العراقية بالطريقة الدبلوماسية!…وهذا من الأدلة الدامغة أن قرار الحرب لم يكن موجود ضمن أجندة النظام الحاكم في بغداد آنذاك! وكانت الخطوة التي تلتها حرب السنوات الثمانية بين الجانب العراقي والمعممين الجُدُد في إيران في الرابع من سبتمبر/ أيلول 1980حتى الثامن من أغسطس/ آب 1988، وكانت مناطق الأحواز ضمن السياق الجغرافي التي وقع تحت سطوة (الجانب الإيراني) بقبول اتفاق 1975م، مما زاد معاناة أهلنا الأحواز في ظل حرب السنوات الثمانية!
الحرب العراقية الإيرانية 1980 ـ 1988م.
يضطرنا السياق أن نُعرج على الحرب العراقية الإيرانية 1980ـ 1988م ومسها مساً خفيفاً، لأنها كانت العامل الجوهري في تضاعف معاناة أهلنا الأحواز وتراجع قضيتهم على جميع المستويات، فكما المعهود تاريخياً تملص الجانب الفارسي من المعاهدات… تبدأ أيضاً بالتحرُش الحدودي، وكالعادة مناوشات حدودية من الجانب الإيراني تكثفت شيئًا فشيئًا إلى أن حدثت المواجهة عسكريًا كردّ فعل عراقي، بعد أن أسقطت القوات العراقية طياره فانتوم إيرانية وأسرت قائدها حيًا… وهذا دليل آخر ضمن دلائل عديده على أن إيران هي من بدأت الحرب!، وهنا يجدُر بنا الإشارة إلى دور الولايات المتحدة الأميركية في التحكم في مسار الحرب عن طريق تجهيزها إيران بأسلحة وأعتده وقطع غيار(والتي عُرِفَت إعلاميًا بفضيحة إيران كونترا) وهنا وجب التنويه أن (الكيان الإسرائيلي) كان الطرف الخفي ضمن هذه العملية!.
انطلقت الهجمات الإيرانية على المدن الحدودية العراقية في القطاع الأوسط من أراضٍ قد تم الاعتراف بعائديتها إلى العراق بحسب اتفاق 1975م، وكانت هذه ترجمه صارخه بإلغاء الاتفاق سالف الذكر من الجانب الإيراني!، من أراد معرفة المزيد عن خلفيات وكواليس الحرب العراقية الإيرانية ( كأطول حرب وقعت في القرن العشرين) فليقرأ كتاب، أطول الحروب الصراع العسكري العراقي الإيراني للكاتب ديليب هيرو الذى يكثف فيه الكلام عن جذور الصراع، كتاب الدروس المستنبطة من الحرب العراقية الإيرانية للكاتب البريطاني إفريم كارش، وكتاب الحرب العراقية الإيرانية الذى يتناول قرار العراق الذهاب إلى الحرب للكاتب الأميركي ستيفن بليتيير… وقد كتب الأخير كتاب آخر تحت عنوان دروس مستفاده من الحرب العراقية الإيرانية، عن إصدارات مشاة البحرية الأميركية… ويتحدث فيه بليتيير عن القدرات العراقية في عملية (عاصفة الصحراء)، وكتاب حرب الخليج والأبعاد الإقليمية والدولية، وأخيراً كتاب الحرب العراقية الإيرانية للمشير محمد عبدالحليم أبو غزاله والذى صُنِف في معظم جوانبه بأنه غير مُنصف لأسباب تخص الإدارة الحاكمة المصرية آنذاك!
الأسباب الموضعية التي أفرزت الحركات النضالية في الأحواز العربية.
تشكلت منذ أن وقعت عربستان (الأحواز العربية) تحت الاحتلال الإيراني 1925م حركات نضاليه تسعى لاستعادة السلطة على الإقليم، تمثل التمرد النضالي في صورٍ عده من ثورات وانتفاضات ورفع مذكرات للجهات الرسمية في الوطن العربي وعقد المؤتمرات، فسياسة التهجير التي اتبعتها الإدارات المتعاقبة الحاكمة في إيران بغية تدمير الهوية العربية والاثنية…، وذلك عبر سيطرة المهاجرين الإيرانيون على كافة مناحي الحياة وفي مقدمتها الناحية الاقتصادية!، على الرغم من أن الإيرانيون لا يشكلون سوى 20 بالمائة من مجموع سكان إقليم الأحواز!، وتم تجريد التجار الأحواز من الأعمال التجارية التي كانوا يسيطرون على 95 بالمائة منها خاصًة تجارة الأقمشة والصوف، أما الآن فنصيب عرب الأحواز من تجارة الأقمشة لا يتجاوز الواحد بالمائة!، كما ألغت الحكومة الإيرانية حق التنقل واستصدار جوازات السفر للدراسة للطلا، وبشكلٍ خاص منع إصدار جوازات السفر لزعماء العشائر، وبقرار رسمي من مجلس الوزراء تم إصداره عام 1964م يحرم على العرب إشغال الوظائف الحكومية الهامه أو الانتماء إلى كليتي الحربية والشرطة!، وهذ القرار خير دليل على الاحتلال ومعمول به حنى كتابة هذه السطور!
أهم الحركات التحررية النضالية التي برزت.
من أبرز الحركات النضالية التي استولدت الواقع المرير العنصري الذى عايشه الشعب العربي الأحوازي تحت سطوة المحتل الإيراني…، جبهة تحرير عربستان التي تأسست عام 1956م الجبهة القومية لتحرير عربستان والخليج العربي 1960م التي تشكلت في منطقة البيتين والخفاجة ثم توسعت لتشمل منطقة المحمرة وعبادات، وغيرت اسمها لاحقًا إلى الجيش ألشعبي العربستاني، الجبهة الشعبية لتحرير عربستان 1968 وتُعد أشرس جبهات النضال وتتبنى الكفاح المسلح كوسيله للتحرر… وقد قامت بالفعل بالعديد من العمليات المسلحة العسكرية المباشرة ضد القوات النظامية الإيرانية.
أهم الأسباب التي أدت إلى فشل ثورات الشعب العربي الأحوازي.
في الواقع يعود فشل الثورات وانتفاضات الشعب العربي الأحوازي إلى عوامل عديده، منها تجاهل وسائل الإعلام خاصةً العربية لقضية الشعب العربي الأحوازي، الذى يتمخض عنه أن تظل (محلية الثورة)، نضب مصادر المساعدات المادية وكذلك المعنوية من الشعوب العربية، وأهم عوامل فشل الثورات يتمثل في الافتقار للقيادة الحذقة التي تستطيع تنظيم الصفوف… والتي أدى بدوره إلى تغلغل المخابرات الإيرانية في صفوف الحركات النضالية وبعض المشاركين فيها مما سهل إجهاض غالب الثورات والانتفاضات قبل ميلادها أو قت اندلاعها.!
موضوعات ذات صلة
