في ظل ما يشهده الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة من تغيرات مستمرة بالتزامن مع تذبذب أسعار الفائدة عالميًا يبرز تساؤل رئيسي بين المصريين في الداخل والمغتربين بالخارج ما هي الأداة البنكية الأكثر أمانًا وربحية للاستثمار؟ وهل الأفضل التوجه نحو الشهادات الادخارية، أم أن السندات قد توفر ميزة أكبر، وما هي البدائل الأخرى المتاحة؟
قبل الإجابة عن التساؤلات السابقة لابد من إيضاح الفرق بين الشهادات البنكية والسندات الحكومية
الشهادات البنكية:
هي شهادات تصدرها البنوك التجارية و تعتبر أداة ادخار و استثمار فردي تتراوح ما بين سنة او 3 سنوات او شهادات طويلة الأجل 5 سنوات ، توفر عائدًا ثابتًا أو متغيّرًا ويصرف العائد بشكل شهري او ربع سنوي او نصف سنوي او سنوي وهي بالطبع مضمونة من البنك و لا يمكن بيعها في السوق الثانوي ولها عدة مميزات فهي ذات عائد مرتفع وثابت مقارنة ببدائل أخرى، مع اعفاء العائد من الضرائب بالنسبة للأفراد وسهولة الإصدار والاسترداد مع بعض الشهادات التي تسمح بالكسر بعد 6 شهور ومن مخاطرها أنها تتأثر مباشرة بتغيّر سعر الفائدة الرسمي من البنك المركزي حيث أنه يعيب الشهادات أن عائدها يتآكل أمام التضخم المرتفع، ما يجعلها أقل جاذبية للمدخر طويل الأجل الذي يسعى للحفاظ على القوة الشرائية لأمواله.
السندات الحكومية (Treasury bonds):
تصدر من وزارة المالية وتُتداول، بعضها إسلامي (صكوك/سندات إسلامية) وعادةً عائدها أقل من شهادات البنوك، لكنّها قابلة للتداول، مما قد يحقق ربحًا رأسماليًّا عند هبوط الفائدة أو التغيرات السوقية. و هي أداة دين حكومي ( الحكومة تقترض من المستثمرين ) و مدة استثمارها من سنة الى عشر سنوات أو اكثر و يصرف العائد غالبا كل 6 شهور و من الممكن بيعها في البورصة وتخضع غالباً لضريبة على العائد (وفقا للقانون الحالي ) مصر تخطط لإصدار صكوك إسلامية بقيمة 2 مليار دولار خلال 2025 ، ما يوفر للمستثمرين المصريين خيارات استثمارية تناسب الأذواق الإسلامية
أما بشأن ايهما أفضل للمصريين العاملين بالخارج
> بالنسبة للمستثمر الحذر قصير الأجل.. تعتبر الشهادات البنكية هي الخيار الأنسب خاصة لو ذات عائد ثابت ومضمون وكذا فهي متنوعة في آجال الاستثمار فمثلا تقدم بعض البنوك المصرية شهادات بعائد يصل الى 22% سنويا (ثابت) بينما تقدم بنوك أخرى شهادات متغيرة مرتبطة بسعر الكوريدور وهو ما يجعلها جذابة في حال التوقع بارتفاع الفائدة مستقبلا
> بالنسبة للمستثمر متوسط أو طويل الأجل والذي يبحث عن التنويع فالسندات الحكومية قد توفر عائد جيد وتنويعا لمحفظة الاستثمار ومع ذلك فهي قد تتعرض لتقلبات سعرية عند البيع في السوق الثانوية في تاريخ الاستحقاق وتخضع غالبا للضرائب على العائد الأفراد وتتطلب حدًا أدنى مرتفعًا للاستثمار (غالبًا 100 ألف جنيه فأكثر)، وتحتاج إلى دراية أكبر بالأسواق.
مما سبق من الممكن القول
Θ بالنسبة للأفراد / المستثمرين للمحتفظين بالسيولة دون رغبة في المخاطرة: الشهادات البنكية ذات العوائد الثابتة والجذابة.
Θ لمن يفضلون التنويع والسيولة: السندات/الصكوك (بما يشابهها)، مع احتفاظ بسيولة محتملة ومرونة تداول.
أما بشأن البدائل الأخرى المتاحة
♦ العقارات: يفضلها كثيرون في مصر، خصوصًا في العقارات المدرة للإيجار أو الثانية على الشاطئ، وتعتبر استثمارًا شائعًا
♦ الودائع بالدولار و هي مخصصة للمغتربين الذين يمتلكون دخلًا بالدولار مثل شهادات الدولار ذات عوائد 4–4.15 ٪ سنويًا، و هناك بعض البنوك تقدم عائد يصل إلى 6.5% سنويًا على الودائع الدولارية فهي مناسبة لتخزين جزء من المدخرات بالعملة الأجنبية.
♦ شهادات ذهبية او ربط بسلع فهي تحافظ على القيمة من التضخم لذا فهي تتطلب فهم عميق للتحركات الدورية
♦ صناديق الاستثمار البنكية فهي تتيح عوائد متغيرة أعلى من الشهادات أحيانًا فهي مناسبة لمن يقبل مخاطرة معتدلة لذا فهي غير مضمونة وتحتاج رأس مال كبير، وتدار باحترافية من مديري أصول.
♦ الأسهم وصناديق الاستثمار: ذات مخاطرة أعلى، وتقتضي فهمًا عميقًا للسوق المالي.
هل من المتوقع طرح شهادات جديدة
في ضوء التراجع النسبي لمعدلات التضخم السنوي الى 12.8% في يونيو 2025ومع توقعات بثبات نسبي على أسعار الفائدة الأساسية لدى البنك المركزي المصري خلال النصف الثاني من 2025، حيث انخفضت من 27٪ إلى 24٪ بين أبريل ومايو 2025 يجري حاليًا بحث لصياغة شهادات جديدة بمعدلات تنافسية ولكن من غير المرجح طرح شهادات ذات عائد استثنائي جديد خلال يوليو وأغسطس. ولكن من الممكن إطلاق شهادات جديدة ذات عائد تنافسي في حدود 21.5% الى 23% للشهادات ذات العائد الثابت (3 سنوات أو أكثر) وفي حدود 23% الى 25% للشهادات المتغيرة وقد تُقدّم البنوك شهادات متدرجة (كالبلاتينيوم) تحقق معدلًا أعلى في السنة الأولى ثم يتناقص تدريجيًا، ما قد يجذب العملاء الباحثين عن العائد الأعلى.
التوصية الاستثمارية
تختلف التوصية حسب الأهداف حيث يُفضل تقسيم المدخرات بين شهادات متعددة الآجال للاستفادة من تغيّر الفائدة وكذا يمكن تخصيص جزء من المدخرات للسندات أو الصكوك لتوفير سيولة وسهولة الحيازة.
فالنسبة للمستثمرين المغتربين بالدولار: الودائع الدولارية أو شهادات بعائد دولاري أفضل من تحويل الأموال للجنيه ثم الربط بشهادة محلية وذلك للحفاظ على قيمة الأموال بالدولار والحماية من التضخم المحلي أما بالنسبة للمقيمين في مصر فيفضل التنويع بين شهادات مرتفعة العائد قصيرة الأجل وصندوق استثمار متوسط الأجل الذي قد يحقق عائدًا أعلى.
القرار لا يجب أن يكون بين «شهادات أو سندات» فقط، بل يجب أن يكون ضمن استراتيجية مالية متكاملة تتوازن فيها العائدات مع مستوى الأمان، والسيولة، ومدة الاستثمار، ونوع العملة مرهوناً بأهدافك الاستثمارية الشخصية ومدى حاجتك للسيولة والاستقرار