في الوقت الذي تحرص فيه المجاميع السورية وجميع الإدارات الرسمية على احتضان واستيعاب وتأمين الأقليات في سورية، يظهر تصرف إداري غريب مستهجن ومدان تجاه الفلسطينيين الذين ولدوا وعاشوا في سورية، حيث يشكل التلاعب في توصيف حالتهم المدنية من فلسطيني/سوري – كما هو مقنن منذ عام 1948- إلى خانة مقيم أجنبي، تهديدا حقيقيا.. فما هو؟
الأيادي الإسرائيلية تعبث في سورية، والنموذج اللبناني هو الهدف!
نجح المتصهينون بتهميش المكون الفلسطيني في لبنان، حيث يعيش الفلسطينيون على الهامش هناك، كما يحرمون من التعليم والعمل الطبيعي، إذ لا يوجد في العالم بأسره قوانين كما هي قوانين الدولة اللبنانية التي تحرم الفلسطيني من مزاولة أكبر عدد من الوظائف والمهن، وذلك حتى يبقى مهمشا وغير فاعل في مجتمعه ومحيطه الشامي الطبيعي الذي يعيش فيه!
بالون الاختبار الأول!
إن ما حصل في إحدى إدارات النفوس السورية الدمشقية ليس سقطة وإنما هو بالون إختبار ابتدائي تجاه الحالة الفلسطينية، التي شكلت تاريخيا عبئا حقيقيا على إسرائيل، حيث تمكن الفلسطينيون هناك من عوامل القوة بحكم عنصرين، أولهما الشعب السوري المنتمي والكريم الذي احتضن ولم يتبرأ في حياته من جزئه وامتداده الطبيعي والتاريخي في فلسطين، وثانيهما القوانين السورية التي تقننت فور التغريبة الفلسطينية عام 1948، وقد عززتها قانونيا الجامعة العربية، وكذلك القوانين الدولية الصادرة عن جنيف بحق اللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان ومصر والعراق والأردن.
المطلوب إسرائيليا تهميش فلسطينيي سورية!
اشتهر شارون بتهديده ووعيده لفلسطينيي سورية بمقولة (لك يوم يا مخيم اليرموك)، فقد أذل الفلسطينيون إسرائيل في عمليات نوعية بالداخل الفلسطيني، وخلال اجتياح بيروت، كما برز أن أكبر وجود فلسطيني منظم متعلم مثقف غني ويملك طاقات كبيرة هو مكون فلسطينيي سورية -الى جانب فلسطينيي الكويت قبل اجتياح صدام لها-.
الانتقام الأسدي من الفلسطينيين في سورية!
نفذ فرعون الشام بشار الأسد رغبة شارون، فقصف المخيمات الفلسطينية بشكل مبالغ فيه حيث يضاهي التدمير فيه أكبر أحجام التدمير في سورية، وقتل من الفلسطينيين آلافا مؤلفة، وجوع نساءهم وأطفالهم كتجويع اليهود لأهل غزة، لاسيما وأن الفلسطينيين تفاعلوا مع الثورة هناك مبكرا وفي كل الاتجاهات والمستويات العسكرية والأمنية والمالية والطبية والاجتماعية، وهو ما أدركه نظام الطاغية مبكرا لاسيما حين عاين استقبال واحتضان الفلسطينيين لأبناء حمص المهجرين وأبناء حي التضامن الدمشقي المنكوبين، فكانت المخيمات الفلسطينية ( اليرموك وفلسطين ) أمانا وعلاجا ومقرات لهم في أحضان الفلسطينيين الشاميين.
نموذج فلسطينيي لبنان نافذة للتهميش والتهجير ومقتلة اجتماعية مكتملة الأركان!
إن أي تغيير في القوانين السورية بحق الفلسطينيين من النواحي الإدارية والمهنية والتعليمية والخدماتية، يعتبر بداية منزلق نحو الهاوية بحق الفلسطينيين ومستقبل أطفال السوريين، فالذي يستهدف الفلسطيني في الأرض التي ولد فيها هو ووالده وربما جده، سيستهدف حقوق أبناء تلك الأرض الأساسيين، وسيمس حقوقهم شيئا فشيئا.
سورية الجديدة بين نموذجي إسرائيل وحافظ الأسد المجرمين!
لا يجوز من الناحية الشرعية ولا الأخلاقية ولا الاجتماعية ولا القانونية أن يكون الإطار القانوني والإداري الإسرائيلي أو الأسدي -المعاديين لثقافة ودين الأمة- أرقى وأعلى ضمانة في التعامل مع الفلسطينيين المقيمين تحت سلطاتهم من الإدارة المؤقتة لسورية الجديدة والحرة!
إن واجب الحكومة السورية الجديدة أن تكون كشعبها النبيل والكريم في التعامل مع الفلسطينيين الذين يشكلون جزءا طبيعيا تاريخيا من أرض الشام، ولا يجوز أن يتم التعامل معهم كالهنود الحمر ولو بخطوات ابتدائية ضئيلة ستكبر لاحقا إذا لم تحسم اليوم.
البيان والتوضيح يحسم الخلاف وينهي الشكوك.
من غير الطبيعي أن يتم تفسير ما وقع في أحد مراكز النفوس في دمشق مع بعض الفلسطينيين ونشرته وسائل عديدة على أنه سقطة غير مقصودة، ثم لا يعقبه بيان رسمي حكومي معلن يبين وضع الفلسطينيين ويؤكد على حقوقهم، لاسيما وقد مورس هذا الشكل تجاه البعض (طوائف وأقليات وشبيحة) رغم دورهم الطاعن في سورية والمؤذي للسوريين!
فلماذا لا تظهر شخصية رسمية سورية -في ظل غياب كلي لدور البرلمان ومجلس الشعب- لتضع الأمور في نصابها، وحتى لا تتمدد الشكوك، ولئلا تتكرر السقطة، ويظهر الرقص في محل الحنجلة؟
أيها السوريون افقهوا وتعلموا حماية مستقبل أطفالكم!
من المؤسف اليوم أن نشير لشعب سورية الثائر العظيم النبيل والكريم، بأن يتعلم من الحراك الشعبي للأوربيين حماية مستقبل أطفاله من خلال دفاعه عن حقوق المهاجرين!
وكيف إذن سيكون مستقبل الغزيين وأطفال الشهداء والمجاهدين إذا هجروا لسورية؟
فهل وصلت الفكرة؟
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 11/7/2025