تشغل مسألة بقاء واستمرارية بعض الدول على الساحة الدولية تفكير العديد من الباحثين والمحللين المختصين في الشؤون الجيوسياسية والأمنية فقد ظهرت على الساحة حديثات وتقارير غير رسمية تشير إلى أن هناك احتمالية لاندثار أو اختفاء بعض الدول من الخارطة السياسية بسبب عوامل متعددة تتعلق بالسيادة، الجغرافيا، الاقتصاد، أو حتى الصراعات الداخلية والخارجية ومع ذلك تظل هذه الادعاءات مثيرة للجدل وتتطلب تحليلاً دقيقاً ومتمعناً.
العوامل التي قد تؤدي إلى زوال بعض الدول من الخريطة
تتنوع الأسباب التي يمكن أن تجعل دولة ما تواجه خطر الانقضاء ولعل أبرزها: النزاعات المسلحة المستمرة أو الحروب الأهلية التي تؤدي إلى تفكك النسيج الوطني ونشوء كيانات مكانية جديدة غالباً ما تكون ذات سيادة محدودة أو غير معترف بها دولياً، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الدولية التي تؤدي إلى تدهور اقتصادي حاد يهدد بقاء الدولة ذاتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة التغيرات المناخية التي تتفاقم وتؤدي إلى أزمات مائية وبيئية تهدد استدامة بعض المناطق كما أن النزاعات على الموارد الطبيعيه مثل النفط والمياه يمكن أن تلد واقعت الانقسام والانفصال.
أمثلة على دول تواجه مخاطر حقيقية
هناك بعض الأمثلة التي تستند إلى التحليل السياسي عليها والتي تعتبر من أقرب الدول إلى خطر الاختفاء إن لم يتم التعامل مع مشكلاتها بشكل شامل وصارم. على سبيل المثال، بعض المناطق ذات الصراعات المستمرة مثل بعض أقاليم الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يهدد انعدام الاستقرار بتفكيك هذه الكيانات إلى كيانات أصغر أو حتى انهيارها الكامل. وفي مناطق أخرى، تعاني دول ذات حدود هشة أو ذات أنظمة حكم غير مستقرة من ضغوطات داخلية وخارجية تهدد وحدتها وسيادتها.
هل المهددات الحالية حاسمة أم افتراضية؟
النقاش هنا يكمن في الفارق بين التهديدات الحقيقية والداخلية وبين تلك النظريات التي تروج لها بعض الجهات الإعلامية أو السياسية والتي غالبا ما تكون مبالغ فيها أو تستند إلى سيناريوهات افتراضية. فقد شهد التاريخ العديد من التغيرات التي غيرت معالم الخرائط السياسية بشكل جذري ولكن في المقابل، فإن معظم الدول التي تتعرض لضغوطات كبرى تسعى بقوة للحفاظ على وحدتها وسيادتها عبر مختلف الوسائل الدبلوماسية أو العسكرية.
ماذا تقول التوقعات؟
وفي خلاصة الأمر، يمكن القول إن احتمال فقدان بعض الدول أو زوالها من الخريطة الدولية هو أمر قد يحدث في ظروف نادرة واستثنائية ولكن ليس بالضرورة أن يكون حتمياً، إذ إن التاريخ يعلّمنا أن الصراعات والمخاطر والمآزق يمكن تجاوزها عبر الحكمة السياسية، والحلول السلمية، والدعم الدولي، والاستقرار الداخلي. الأمر يتوقف بشكل كبير على أداء هذه الدول وكيفية تعاطيها مع تحدياتها داخلياً وخارجياً.
بعض الدول التي يمكن أن تكون على هامش الخطر من الاختفاء أو فقدان السيادة استنادًا إلى الظروف الحالية والتحديات التي تواجهها:
الصومال: دولة مهددة بالتفكك والانقسام
الصومال يواجه منذ عقود حربًا أهلية وصراعات سياسية وإنسانية مستمرة، حيث أن ضعف الحكومة المركزية ونقص الاستقرار الأمني يهددان وحدة البلاد. مع تراجع السيطرة على بعض المناطق ووجود جماعات مسلحة مثل حركة الشباب، وهناك مخاوف من أن تتفكك البلاد إلى كيانات أصغر أو أن تصبح مناطق غير خاضعة لسيطرة الحكومة بشكل كامل، مما يهدد باندثار كيان الدولة بشكل فعلي.
ليبيا: صراع على السلطة وتشكيل كيانات متصارعة
ليبيا تعيش وضعًا من الانقسام والضعف السيادي منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011. وجود حكومتين متصارعتين وأجنحة عسكرية وقبائل متعددة أدى إلى غياب سلطة مركزية موحدة، مما يهدد وحدة البلاد ويطرح احتمالات لتقسيمها إلى عدة كيانات أو دول صغيرة مستقلة، خاصة مع استمرار التدخلات الخارجية وتعاظم النفوذ الإرهابي في بعض المناطق.
السودان وأفريقيا الوسطى: مخاطر الانفصال والانقسامات
السودان، بعد انفصال جنوبه في 2011، يواجه تحديات داخلية متعلقة بالحركات المسلحة والنزاعات على الحكم، مع مخاطر محتملة لانفصال مناطق أخرى أو تقسيم البلاد إلى كيانات أصغر. أما أفريقيا الوسطى، فهي تتعرض لأزمات أمنية متكررة وانقسامات قبلية، مما قد يؤدي في المستقبل إلى تقسيم شمولي للدولة.
الكيانات ذات السيادة المحدودة أو غير المعترف بها
هناك بعض المناطق ذات الوضع الخاص مثل كردستان العراق، وأجزاء من الصحراء الغربية، تتعرض لضغوط دولية وإقليمية قد تؤدي إلى تغييرات في وضعها السياسي، وتكرار سيناريو الانفصال أو الاندماج مع دول أخرى. ففي حالة كردستان، هناك حديث دائم عن الاستقلال أو الاستفتاءات التي قد تعزز احتمالات الانفصال، وهو أمر يثير توترات إقليمية ودولية.
الظروف العالمية التي تسرع الاتجاهات نحو التقسيم
عوامل كونية واقتصادية عالمية، مثل تداعيات التغير المناخي، والتغيرات الاقتصادية الكبرى، والنزاعات العالمية على الموارد، تضع ضغوطًا هائلة على بعض الدول التي تواجه هشاشة في بنيتها التحتية والسياسية. هذه الظروف قد تسرع من تفكك بعض الدول أو تقلل من قدرتها على الصمود.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه أي دولة على حافة الانهيار هو مدى قدرتها على التكيف ومعالجة المشاكل الداخلية أو الخارجية بشكل فعال قبل أن تترجم هذه الأزمات إلى تفكك فعلي. رغم أن بعض الدول قد تدخل في حالات من التدهور الشديد والانقسام، فإن أغلب الدول تملك من وسائل القوة والمرونة التي قد تمنع حدوث ذلك بشكل حاسم، خاصة من خلال دعم داخلي ودولي.
آراء وتحليلات لمحللين ومراكز أبحاث حول احتمالية زوال بعض الدول
مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية (CSIS)
يؤكد أن الحالة الحالية للأزمات في مناطق مثل الشرق الأوسط وأفريقيا تشير إلى أن بعض الدول قد تواجه تحديات وجودية، خاصة إذا استمرت النزاعات المسلحة والتدخلات الخارجية، لكن هناك اعتقادا بأن الدول التي تمتلك مؤسسات قوية وتاريخياً مرنة قد تتجنب الانقسام النهائي.
ويعتمد المركز في تحليل التغير وفقا للظروف الطبيعية، على أن التغيّر المناخي والصراعات على الموارد الحيوية يمثلان تهديدات حقيقية لوجود بعض الدول، خاصة تلك ذات البنى التحتية الهشة، وأنه من الممكن أن تتفكك أو تتعرض لتقسيمات إقليمية إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة.
وكالة رويترز
تشير الوكالة في تقاريرها إلى أن هناك دولاً، مثل العراق وسوريا واليمن، تواجه خطر الصراع المستمر الذي قد يقودها إلى التفكك أو فقدان السيطرة، خاصة مع تزايد النفوذ الإقليمي والدولي. ومع ذلك، فإن الوكالة تتحدث عن مرونة الدول وقدرتها على الصمود.
آراء محللين على قناة بي بي سي
يرى بعض المحللين أن التهديدات التي تروج لها بعض الجهات الإعلامية حول احتمال زوال دول كاملة من الخريطة مبالغ فيها، وأن التاريخ يشهد تغيرات جذرية ولكنها غالباً ما تكون قابلة للاحتواء أو التصحيح، مع دعم المجتمع الدولي لدول المؤسسات المستقرة.
تقرير لتجمع الباحثين في معهد بروكينجز
يعلق أن بعض الدول ذات الحدود الضعيفة أو تلك التي تعاني من نزاعات داخلية مستعصية قد تتعرض للانقسام، ولكن بشكل عام فإن الدول ذات المؤسسات القوية والأنظمة الديمقراطية تكون أكثر مقاومة للتغيرات الكبرى، وأن مسألة الاختفاء من الخارطة ليست حتمية بل تعتمد على السياسات الداخلية والخارجية.
وتظهر آراء الخبراء والمراكز أن تهديد زوال الدول حقيقي لكنه محدود للغاية، ويعتمد بشكل كبير على عوامل داخلية وخارجية تتعلق بالإدارة، الاستقرار السياسي، الموارد، والعوامل البيئية. بينما يرى البعض أن الحديث عن اختفاء دول بشكل كامل هو سيناريو متشائم، إلا أن التحديات المعاصرة قد تؤدي إلى تغييرات جغرافية وسياسية جزئية، كالانقسامات أو التقسيمات الإقليمية.