تُعد منطقة البحر الأبيض المتوسط واحدة من أسرع مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ، إذ ترتفع فيها درجات الحرارة بمعدل يزيد بنحو 20% عن المتوسط العالمي، وفق ما تشير إليه بيانات شبكة خبراء المتوسط (MedECC) بالتعاون مع “الاتحاد من أجل المتوسط”. في الأعوام الأخيرة،
تجاوزت درجات حرارة سطح البحر المعدلات التاريخية بفارق يتراوح بين ثلاث وست درجات مئوية،
كما سجّلت تقارير متخصصة أن مياه البحر في يونيو ويوليو 2025 وصلت إلى مستويات قياسية (الجزيرة نت، 6 يوليو 2025).
وفق خبراء المناخ، فإن احترار مياه البحر لا يقتصر على كونه مؤشراً على تغير المناخ، بل يتحول إلى عامل نشط في تغذية الظواهر المتطرفة. فارتفاع حرارة المياه يعزز من تبخّرها، مما يؤدي إلى زيادة الرطوبة الجوية وتغذية العواصف الرعدية الشديدة، خاصة في مواسم الخريف.
وأظهرت دراسات أن هذه الظواهر ساهمت في تضاعف أحداث الفيضانات المفاجئة التي ضربت عدة مناطق أوروبية مثل شمال إيطاليا وجنوب فرنسا، خصوصًا في الأعوام 2022–2024 (الجزيرة نت، 6 يوليو 2025).
التغيرات المناخية تؤدي أيضًا إلى موجات جفاف طويلة الأمد تؤثر مباشرة على الزراعة وإمدادات المياه.
وقد لوحظ تراجع ملحوظ في إنتاج محاصيل رئيسية مثل القمح والزيتون، لا سيما في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، وهو ما انعكس في ارتفاع أسعار هذه السلع بشكل حاد خلال عامي 2023 و2024، بحسب تقارير المنظمة الأوروبية للبيئة (Al-Ain الإخبارية، 3 يوليو 2025).د
كما أن مواسم الحرائق باتت أكثر شراسة وطولًا، مدفوعة بارتفاع درجات الحرارة وتناقص الرطوبة. وقد رُبطت موجات الحر والحرائق التي اجتاحت المنطقة في صيف 2025 بارتفاع حرارة سطح البحر والانخفاض الحاد في معدلات التساقط، ما خلق ظروفاً مثالية لاشتعال الغابات، لا سيما في إسبانيا واليونان وإيطاليا (بي بي سي، 14 يوليو 2025).
من جهة أخرى، أصبحت العواصف المتوسطية المعروفة باسم “ميديكان” أكثر تواترًا وعنفًا. إذ تشير تحليلات حديثة، منها مراجعة لآثار إعصار “دانيال” الذي ضرب ليبيا في 2023، إلى أن شدّة العاصفة زادت بما يصل إلى خمسين مرة بسبب تغير المناخ، وفق تحليل نُشر من قبل شبكة خبراء الطقس الدولية World Weather Attribution (الجزيرة نت، 11 سبتمبر 2023).
تتوقع الدراسات المناخية أن ترتفع درجات الحرارة في منطقة المتوسط بما يتراوح بين 1.8 و3.5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، في حين قد يصل ارتفاع مستوى سطح البحر إلى نحو متر في سيناريوهات الانبعاثات المرتفعة،
مما يهدد مناطق مكتظة مثل دلتا النيل وسواحل تونس والمغرب (المصري اليوم، 3 فبراير 2020). هذه التغيرات ستؤدي إلى فقدان الأراضي الزراعية والسكنية، وتزايد خطر التملح والتآكل الساحلي.
كما تشير التوقعات إلى انخفاض بنسبة تصل إلى 15% في معدلات هطول الأمطار، لكنها ستكون على شكل فترات أكثر تطرفًا وغزارة، مما يعزز مخاطر الفيضانات من جهة، ويعمّق من آثار الجفاف بين هذه الفترات من جهة أخرى، بحسب التقرير العلمي الصادر عن MedECC في 2022.
إضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تشهد المنطقة تراجعًا في التنوع البيولوجي البحري، وارتفاعًا في أعداد الأنواع الغازية، ما يهدد توازن النظم البيئية البحرية ومخزونات الصيد، وقد يؤدي إلى انخفاض عائدات الصيد بنسبة تصل إلى 30% في شرق المتوسط بحلول منتصف القرن (Al-Ain الإخبارية، 3 يوليو 2025).
بحسب مجموعات علمية تُعنى برصد الوضع المناخي في المتوسط، فإن هذه التغيرات المتسارعة تتطلب استجابات سياسية واقتصادية وبيئية عاجلة، تشمل خفض الانبعاثات، تعزيز مصادر الطاقة المتجددة، وتكييف البنية التحتية الحضرية والريفية مع الواقع المناخي الجديد.
ويرى باحثو المناخ أن الفشل في احتواء المسار الحالي قد يجعل من المتوسط بيئة غير مستقرة، تتقاطع فيها الأزمات المناخية والاقتصادية والإنسانية بشكل متصاعد (الجزيرة نت، 21 أبريل 2025).