يشهد جيش الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أشد أزماته التاريخية في ظل استنزاف مستمر على جبهات متعددة، أبرزها قطاع غزة.
تقرير جديد لمعهد دراسات الأمن القومي يكشف عن نقص حاد في القوى البشرية واضطرار الجيش لاستخدام وحدات النخبة في مهام تقليدية.
ذلك وسط تفاقم الأزمة مع تراجع دافعية التجنيد، خاصة مع استمرار إعفاء الحريديم، ما يزيد الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي.
في المقابل، تتزايد الخسائر البشرية والنفسية، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول قدرة الجيش على الاستمرار في هذا المسار.
كشف معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي عن تفاقم أزمة غير مسبوقة تضرب جيش الاحتلال الإسرائيلي، واصفًا إياها بأنها واحدة من أخطر الأزمات في تاريخ الجيش من حيث القوى البشرية، في ظل استنزاف متواصل وعمليات قتالية ممتدة على جبهات متعددة، أبرزها قطاع غزة.
ويأتي هذا التحذير في وقت سياسي حساس، مع إعلان حزب “ديغيل هتوراه” اليميني الديني انسحابه من الائتلاف الحكومي الذي يقوده بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب خلال العدوان على غزة.
أزمة تجنيد غير مسبوقة
بحسب التقرير، يعاني الجيش من نقص حاد في عدد الجنود، ما دفعه للاعتماد على وحدات النخبة والكوماندوز في تنفيذ مهام تقليدية للمشاة، وهي خطوة تكشف عن عمق الأزمة العددية والتكتيكية. وتفتقر هذه الوحدات، مثل تلك التابعة للواء الكوماندوز في الفرقة 98 مظليين، إلى التدريب الكافي للقيام بمهام المشاة، مما يضعف فاعليتها الميدانية.
كما أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن الجيش بدأ التفاوض مع جنوده لتمديد فترات الخدمة لعام إضافي، وهو مؤشر على الاستنزاف الحاد وغياب البدائل البشرية. الجنود المشاركون في العمليات يتحدثون عن نشاطات عسكرية تستمر لأكثر من 12 ساعة يوميًا، ما يزيد من معدلات الإرهاق والتذمر داخل صفوف الجيش.
أزمة الحريديم وتآكل دافعية التجنيد
تواجه المؤسسة العسكرية أيضًا تحديًا داخليًا على المستوى الاجتماعي، حيث أظهر استطلاع للمعهد أن 71% من الإسرائيليين يرون أن إعفاء الحريديم من الخدمة يضر بدوافع الانضمام للجيش، بينما يخشى 42% من أن هذا الإعفاء يؤثر سلبًا على رغبة أبنائهم في التجنيد.
وتُعَدّ هذه الفجوة الاجتماعية بين اليهود المتدينين والعلمانيين عاملًا إضافيًا في تفاقم الأزمة، في وقت تحتاج فيه إسرائيل إلى عشرات الآلاف من الجنود الجدد لسد العجز القائم.
خسائر بشرية ومعنوية فادحة
وفق إذاعة الجيش الإسرائيلي، بلغ عدد قتلى جيش الاحتلال منذ بدء الحرب على غزة أكثر من 890 جنديًا، فيما تجاوز عدد الجرحى 10 آلاف جندي. وتؤكد القناة 12 أن نحو 20 ألف جندي يعانون من أعراض ما بعد الصدمة، ما يعكس حجم العبء النفسي الكبير الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي.
مستقبل غامض
في ظل هذا الواقع المتأزم، تشير تقارير مراكز الأبحاث إلى أن الجيش غير قادر على تحقيق سيطرة حقيقية على الأرض في غزة، رغم محاولاته المتكررة. ويرجع ذلك إلى اتساع رقعة الأرض المطلوب السيطرة عليها وافتقاره إلى العدد الكافي من القوات البرية.
ويبدو أن إسرائيل دخلت مرحلة جديدة من التحديات الأمنية والعسكرية، تضعها أمام معادلات ميدانية وسياسية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، وسط انقسامات داخلية وضغوط دولية متزايدة.
في ضوء الأزمة المتفاقمة داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبّر عدد من الخبراء والمحللين العسكريين عن قلقهم البالغ من تداعيات هذا التدهور على المدى القريب والبعيد.
آراء الخبراء
الخبير الأمني في معهد دراسات الأمن القومي، يورام شفارتس، أشار إلى أن الجيش “يدخل مرحلة حرجة غير مسبوقة منذ تأسيسه”، مؤكدًا أن الاعتماد المتزايد على وحدات النخبة في مهام لا تُناسب تدريبها “يُضعف من جاهزية القوات الخاصة ويُعرضها للاستنزاف”.
اللواء احتياط عاموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية، حذر من أن “النقص في القوى البشرية لا يمكن تعويضه بتكنولوجيا أو سلاح متطور فقط”، مشيرًا إلى أن “التحكم والسيطرة على الأرض تتطلب وجودًا بشريًا مكثفًا، وهو ما تفتقر إليه إسرائيل اليوم”.
من جانبه، قال الباحث في الشؤون العسكرية أودي ديكل إن “الأزمة الاجتماعية المرتبطة بإعفاء الحريديم تمثل قنبلة موقوتة داخل المجتمع الإسرائيلي”، موضحًا أن تآكل ثقة الجمهور في مبدأ الخدمة العسكرية الشاملة يهدد التوازن الداخلي للجيش.
أما المحللة السياسية نوعا لنداو، فترى أن “انهيار الائتلاف الحكومي بسبب الخلاف على قانون التجنيد يُظهر مدى عُمق الفجوة بين الأجندة الدينية والمصالح الأمنية”، ما قد يُسرّع من تفكك الجبهة الداخلية الإسرائيلية في وقت حساس.
وتتفق معظم التحليلات على أن الجيش يواجه أزمة مركبة تشمل نقص العدد، استنزاف النخبة، صعوبات التجنيد، وتآكل المعنويات، ما يجعل استمراره في العمليات البرية الكبرى محفوفًا بالمخاطر.