منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، تباينت مواقف مكونات الشعب السوري من الأحداث، لكنّ طيفًا طائفيًا واحدًا بدا أقرب للتماهي الكامل مع النظام، وكأنه يعيش حالة “عقد مصيري مشترك” مع عائلة الأسد. إنهم الأقلويون، كما يُطلق عليهم بعض السوريين، في إشارة إلى الأقليات الدينية والمذهبية التي رأت في الثورة خطرًا وجوديًا.
الطائفة العلوية.. الحاضنة الأشدّ صلابة
في مقدمة هؤلاء، تقف الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها بشار الأسد نفسه. العلويون، الذين يشكّلون نحو 10-12% من سكان سوريا، وجدوا في الثورة تهديدًا مباشرًا لنفوذهم الطويل، لا سيما بعد عقود من التمكين السياسي والعسكري منذ استيلاء حافظ الأسد على الحكم عام 1970. لم يكن دعمهم للنظام مجرد تأييد سياسي، بل انخرط كثيرون منهم في الأجهزة الأمنية والجيش، واعتُبرت مناطقهم (كجبال الساحل مثل القرداحة وطرطوس) خزانات بشرية لقوات النظام في المعارك الطاحنة.
ورغم ظهور بعض الأصوات العلوية المنادية بالتغيير، فإنها ظلت محدودة، بل تم قمعها بقسوة، مثل ما حدث مع الشاعر علي فرزات والكاتبة فاديا ياسين.
المسيحيون.. خوف من المجهول
إلى جانب العلويين، اتخذ كثير من المسيحيين السوريين موقف الحذر وربما التوجّس من الثورة، خوفًا من الإسلاميين، وقلقًا من تكرار السيناريو العراقي، حيث عانى مسيحيو العراق من التهجير والاضطهاد بعد سقوط صدام. الكنائس السورية تبنّت خطابًا رماديًا، لكنه في عمقه كان يصب في صالح “الاستقرار”، أي بقاء الأسد. حتى رموز مثل البطريرك يوحنا العاشر كانوا يميلون لتصوير ما يحدث كحرب ضد الإرهاب، لا ثورة شعبية.
الدروز.. بين الحياد والانحياز
أما الدروز، فقد سلكوا مسارًا أكثر حذرًا. منطقة السويداء بقيت إلى حد كبير بعيدة عن الاشتباكات، واتخذ زعماؤهم المحليون، مثل الشيخ وحيد البلعوس سابقًا، موقفًا ضد إرسال شبابهم للقتال خارج محافظتهم. ومع ذلك، فالنظام احتفظ بعلاقات جيدة مع النخب الدرزية، ولعب ورقة الحماية ضد الجماعات الجهادية.
الامتداد التركي.. عندما تعبر الطائفية الحدود
الأقلويون السوريون ليسوا معزولين عن محيطهم، فلهم امتدادات قوية في تركيا، وتحديدًا في الجنوب التركي حيث تنتشر أقليات علوية (تعرف بـ”العلويين الأتراك”)، لا سيما في ولايات هاتاي وأضنة ومرسين. هؤلاء، ورغم اختلافهم العقائدي نوعًا ما عن العلويين السوريين، يشتركون معهم في الحساسية تجاه الإسلام السياسي السني، وبالتالي، يبدون عداءً شديدًا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يُنظر إليه كرمز للإخوان المسلمين، ومهندس دعم الثورة السورية.
الأحزاب التي تمثلهم في تركيا
سياسيًا، كثير من العلويين الأتراك يميلون إلى دعم حزب الشعب الجمهوري (CHP)، حزب المعارضة الرئيسي ذو الجذور الكمالية والعلمانية، والذي غالبًا ما ينتقد تدخلات أردوغان في الشأن السوري. في المقابل، يتوجّس هؤلاء من حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) بسبب خطابه الإسلامي وارتباطه بالمعارضة السورية.
كما ينشط بعض العلويين في أحزاب يسارية صغيرة مثل حزب العمال التركي (TIP) وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي يمثل أيضًا الأكراد، ويدعو لعلمنة الدولة ومساواة الطوائف.
خلاصة “خفيفة”
في النهاية، يبدو أن “الأقلويين” في سوريا وامتداداتهم في تركيا يخشون أي تغيير مفاجئ قد يهدد امتيازاتهم أو يضعهم في مواجهة مع الأغلبية السنية. لهذا السبب وقفوا، عن اقتناع أو خوف، إلى جانب النظام السوري. أما في تركيا، فإنهم ينظرون إلى أردوغان كمصدر تهديد دائم لهويتهم وثقافتهم، ويفضلون خصومه العلمانيين واليساريين. الطائفية، كما يبدو، لا تعرف الحدود ولا تعترف بالجغرافيا.