من المتوقع أن تسارع أمريكا لعقد اتفاق تسبقه تفاهمات بهدف إيقاف الحراك الجماهيري السوري، والذي تحرك بمجموعه مدافعا عن ثورته وهويته ووجوده في مواجهة مع القتلة من القيادات الدرزية الرخيصة المستخذية أمام أربابها في تل أبيب.
لكن أليست أمريكا التي رفعت العقوبات عن سورية وشخصيات هيئة تحرير الشام هي من يدير المشهد السياسي ويعبث في جنوب الشام من خلال ذراعها الإسرائيلي؟
الجواب:
بلى، هي أمريكا الكاهن الأخطر الذي لم يعق وصول الثوار الأبرار إلى دمشق، وذلك بعد أن تهاوى النظام الأسدي الأمني الوظيفي الذي بلوره كيسنجر في السبعينيات!
تغيير الخرائط الجيوسياسة!
لم تعد أمريكا معنية بالخرائط التي رسمها أجدادها البريطانيين لتقسيم الإرث الجغرافي العربي والإسلامي عقب الإطاحة بدولة الخلافة الإسلامية الجامعة.
إن أمريكا معنية بإحداث تغيير جيوسياسي يعيد بعثرة وتمزيق المنطقة العربية والإسلامية بشكل أكثر حيوية، لاسيما وأن حقبة الربيع العربي التي وإن فشلت في إحراز النتائج وتحقيق الأهداف النهائية المرجوة، إلا أنها كشفت عن حقيقة موضوعية صادمة، ألا وهي حقيقة وجود أمة تجمعها الوحدة الثقافية والوحدة الشعورية رغم غياب الدولة الجامعة.
الفزع الصليبي المبكر!
لم يكن عبثا استدراج الفلسطينيين من خلال الإيرانيين بإرادة أمريكية إسرائيلية للدخول في معركة خاسرة، وخسارتها بينة من كل جوانبها الموضوعية المقروءة عند غير العاطفيين، وذلك لاستنزاف المنطقة وإزهاق القضية الفلسطينية الجامعة والمحركة لشعوب الأمة.
كما لا يمكن تفسير الإصرار الأمريكي على نحر الرجال وتشريد النساء وحرق الأطفال وقتل من بقي تجويعا في غزة خلال عامين، برؤية سطحية قاصرة وبسيطة لا تتجاوز حدود غزة ولا عقل قناة الجزيرة الموجه!
إن أمريكا تريد أن تجعل من غزة فزاعة للمحيط العربي والإسلامي، لاسيما وأن ثورات الربيع العربي قد نجحت في إضعاف الدول الوطنية وأجهزتها الأمنية وإحداث تراجع للمفاهيم القطرية الصنمية.
نعم لتغيير الخرائط ولا لسقوط الصنم!
إن حجم وشكل العبث الوجودي التي تديره أمريكا ضخم مرعب وكبير، -لاسيما بعد احتلال بغداد وتفكيك العراق- وهي في هذا السياق تستعين بالمشاريع المتخادمة كمشروع ولي الفقيه، وتستخدم وسائلها المصنوعة كمشروع الإرهاب الداعشي، وكذلك تستعين بالأنظمة العربية الوكيلة، فيما ترتكز على قاعدتها الأساسية التي هي من شحمها ولحمها واسمها الوظيفي إسرائيل.
تسعى أمريكا من خلال إسرائيل وكل وسائلها والمشاريع والمكونات المستخذية لها أن تعيد رسم خرائط المنطقة بعد إحداث الفوضى فيها، ولكنها تصطدم بالصنم الذي صنعه أجدادها، وهو مفهوم الدولة الوطنية القطرية، الأمر الذي يقرر إيقاع فعلها بين مد وجزر في نفس الوقت ودون أن يطلع القمر.
المسألة الدرزية والواقعة الهندية الباكستانية!
لم تكن أمريكا تتوقع نوع المفاجأة الباكستانية عندما حرضت وحركت الهند باتجاه ضربها، وذلك بعد أن أرسلت وكيلها نتنياهو ليلتقي برئيس وزراء الهند ناريندا مودي الحاقد على العالمين العربي والإسلامي.
لم يتأخر ترامب في إيقاف الحرب التي أشعلها بين الهند وباكستان عندما عاين الجاهزية والتفوق العسكري الباكستاني المدعوم صينيا وتركيا..
فأين يكمن وجه الشبه بين النازلة الدرزية السورية والمسألة الهندية الباكستانية؟
إن ما دفع ترامب لعقد تفاهم أو اتفاق ضمني بين نتنياهو وأحمد الشرع بخصوص الجنوب السوري والمتعلق بأحداث السويداء، هو بروز القنبلة النووية السورية المتعلقة بحراك الشعب السوري، والتي نجحت ثورة الشام المباركة بتخصيبها حتى أصبحت حرة.
وإذا كان الاستمرار في الحرب بين باكستان والهند سيوسع المعركة حتى تتقدم في جنباتها الصين وتركيا، فإن استمرار الزحف العشائري السوري نحو ذراع اسرائيل المتوضع في منطقة السويداء السورية، سيجر لا محالة العشائر العراقية والأردنية واللبنانية للدخول في المعركة انطلاقا من مرجعية الهوية الثقافية العربية والإسلامية المشتركة، وهو ما يعني سقوط صنم الانتماء الوطني المنتن والقبيح الذي زرعه ومكنه ودعمه الغرب الصليبي اللعين.
الكاهن الأمريكي يحتاج رأسا بعشرة عقول!
يمكن لمن يمتلك عقلاً واحدا في رأسه أن يعقل ويفهم مشروع وخطط الروس، وكذلك فإن من يمتلك عقلاً واحدا يمكن أن يفهم مخططات ومشاريع الفرنسيين أو حتى الصينيين، لكن المطلوب لأجل فهم المشاريع السياسية والخطط الاستراتيجية والخطوات التكتيكية الأمريكية هو رأس بعشرة عقول.
لن تترك الإدارة الأمريكية المتغطرسة وحكومتها العميقة دولنا العربية وأقاليمنا الإسلامية تنعم بالأمن والسلام، بل ستعبث بها وبنا جميعا ليل نهار، لاسيما أنها بعيدة مرتاحة ومتكئة على الأريكية، وتطبع أي كمية مطلوبة من الدولار.
فهل تعي العقول المهمومة واجب الوقت وكيف الأمور تدار؟
♦ فهل تعي العقول المهمومة واجب الوقت وكيف هي الأمور تدار؟*
♦ وهل يعي حكام سورية الجدد أنهم إن استمروا بنفس طريقتهم في الإدارة السياسية سيختفي الاستقرار من سورية وسيزهق الشعب والبلد؟*
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 19/7/2025