على المستوى الاستراتيجي يعرف العدو الصهيوني جيداً حجم تأثير (معركة الاستنزاف) التي تديرها المقاومة الفلسطينية ضده ببراعة وبسالة وعون من الله- سبحانه وتعالى- على قدراته العسكرية سواء البشرية، أم اللوجستية؛ أم غيرهما، ويعلم كذلك أن استمرار (معركة الاستنزاف) بهذه الوتيرة من شأنه الخصم من رصيده العسكري، وتغذية للهشاشة العسكرية في بنيانه الدفاعي والهجومي، مما سيكون له عظيم الأثر في معركة التحرير الكبرى التي نراها تقترب بقوة بإذن الله.
أضف إلى ذلك أن الحرب الخاطفة مع إيران- بغض النظر عن تحفظاتنا العديدة ومواقفنا الثابتة نحو المطامع والتحالفات الفارسية- قد كشفت عن هشاشة الكيان الصهيوني، وكسرت حاجز مهابة خط تل أبيت الوهمي المحظور تجاوزه منذ أكثر من نصف قرن، وما صاحب ذلك من تدمير إيران لمبان استراتيجية ومدنية في العمق الصهيوني الحقيقي، ودفع ملايين اليهود للمبيت في الملاجئ، وغلق السلطات للأجواء الجوية والبحرية الدولية منعاً للهروب والنزوح الجماعي اليهودي نحو أوروبا وأمريكا، هذا فضلاً عن تسريبات إسقاط طهران للطائرة (F35 الأمريكية) ، سواء من خلال صواريخ (إس 400 الروسية) أو مثيلات لها لم يكشف عنها، وتسريبات أخرى بهرولة أمريكا نحو عدم كشف إيران الموثق لتلك الفضيحة العسكرية الجوية التي هزت المهابة العسكرية الأمريكية داخل الأوساط المقتنعة بهذه التسريبات الإيرانية، والتي سيكون لها تأثيراتها على السمعة الدولية لهذه الطائرة الأمريكية وبالتبعية مبيعاتها وتعاقداتها، بالمثل كما حدث مؤخراً مع تداعيات إسقاط باكستان للطائرة الفرنسية (رافال) أثناء مناوشات الهند وباكستان العسكرية الاختبارية.
كل هذه الأمور جعلت المخطط الاستراتيجي العسكري الصهيوني يعيد التفكير في التقدير العسكري الذاتي، ويتساءل: إذا كانت المقاومة الفلسطينية بإمكانياتها الذاتية المحدودة وبعد ما يقارب العامين من التصدي لها بأحدث الأسلحة الدولة قد أوقعت فيهم كل هذه الخسائر العسكرية الاستراتيجية، وكشفت الهشاشة العسكرية للكيان الصهيوني، وإذا كانت إيران البعيدة عنهم وبضرباتها المخففة نسبياً -اعتباراً للتحالفات السابقة والمصالح اللاحقة- قد كشفت كذلك عن هشاشتهم العسكرية؛ فماذا سيحدث إذن لمنسوبي الكيان الصهيوني إذا دخلوا في مواجهات عسكرية مباشرة مع جيوش متعددة مجاورة أو قريبة مدربة ومجهزة بأحدث الأسلحة الشرقية والغربية والذاتية، ويتشوق جنودها وفدائيوها لدغدغة عظام الصهاينة بأسنانهم، ولن يوقفهم حين انطلاقهم لا تفاهمات سياسية ولا ضغوطات دولية ولا تحالفات ومصالح إستراتيجية؟.
سؤال محير ومقلق ولا توجد له إجابة دقيقة لدى المخطط الاستراتيجي العسكري الصهيوني، وتزداد الحيرة والقلق لديه في ظل ضعف الرهان على الغرب المتجنب للدخول في مواجهات عسكرية مباشرة مع المسلمين، ذلك الغرب الذي يعاني من أزمات متعددة أبرزها أزمة الحروب البرية الناتجة عن العجز والضعف الشديد في التجنيد والعقيدة القتالية لدى الشعوب الأوروبية والأمريكية، وليس لديها الاستعداد لاستقبال أبنائها في توابيت.
كما أن المخطط الاستراتيجي العسكري الصهيوني يدرك أيضاً أن الضغوطات الدولية التي تعرقل ” الانفجار الإسلامي والعربي المكتوم” لن يمكنها الصمود طويلاً أمام مشاهد المجازر اليومية بحق سكان قطاع غزة، واتباعهم لسياسة التجويع الممنهجة بحق أهلنا في غزة، وغلقهم للمعابر ومنعهم لشاحنات الإغاثة من العبور، وتوظيفهم لتلك السياسة الدنيئة كسلاح من أسلحة الضغط؛ فالمخطط الاستراتيجي العسكري الصهيوني يدرك جيداً أن كل ذلك يزيد من حجم الاحتقان، ولا يبشر بأي خير لمستقبل الكيان الصهيوني، فالعشائر في سوريا انفجرت، وأربكت الحسابات، ويمكنها الانفجار المباشر في وجه الكيان الصهيوني، وهناك عشائر مماثلة غاضبة في الأردن وشعوب غاضبة وتواقة للقتال في دول الجوار يمكنها الانفجار المماثل في وجه الكيان الصهيوني في لحظة مباغتة، وسينتقمون حينها أشد الانتقام من منسوبي الكيان الصهيوني.
حقاً إن المخطط الاستراتيجي العسكري الصهيوني في مأزق عسكري شديد وحرج للغاية، والمخرج الوحيد لديه الآن هو الانسحاب الكامل من قطاع غزة، والفتح الفوري للمعابر وإدخال كافة شاحنات الإغاثة، أملاً في تخفيف الاحتقان، ونوع من أنواع الاستراحة العسكرية التي يعاد فيها تقدير الموقف الاستراتيجي العسكري الصهيوني.
وإلا فإن العناد والتعنت الصهيوني، يجعلنا نقول للجميع غرباً وشرقاً وبكل ثقة وثبات وفق تحليل وقراءة سوسيو عسكرية للمشهد، عليكم أن ترتبوا أوراقكم على أن النتيجة المتوقعة للصبر والغضب الإسلامي والعربي المكتوم هي: انفجار محتوم وقريب، وظفر بالنصر المنشود والموعود بإذن الله سبحانه وتعالى.