ربما كان أحد الأهداف التي وضعت حين تم التغاضي عن وجود الشرع والحركة الإسلامية في الحكم السوري هو أن يفشل الشرع وحكومته الإسلامية، في إدارة دولة مترامية الأطراف مختلفة التوجهات، قد تسلموها وهي خاوية على عروشها بعد أن دمرها النظام البائد وأفسد فيها كل شيء وهَجَّر كل طيورها وعقولها،
وبالحساب المادي فالفشل محتوم لهذه الحكومة التي تولى إدارة هذه الدولة، وحين تفشل يسهل تثوير الشعب البائس الفاقد للأمل حين يرى العجز عن مواجهة الأزمات والفشل في احتواء المشكلات، والتخبط في إدارة الملفات، فيثور في وجه هذه الحكومة الوليدة فتسقط التجربة الإسلامية في الحكم في سوريا كما سقطت في غيرها من الدول العربية،
مما يُعَمِّق المرارة تجاه الإسلاميين في كل موطن، لكن العجيب أن بوادر النجاح والتوفيق قد بدأت في الظهور، فاستطاع الشرع أن يحقق منجزًا من أخطر المنجزات في ظروف معقدة وتحديات أولية كبيرة بعد ستة أشهر من حكمه حين نجح الرئيس أحمد الشرع في استقطاب دعم دولي ورفع العقوبات الاقتصادية الخانقة،
كما تمكن من ضمان استقرار نسبي رغم حل الأجهزة الأمنية والجيش السابقين، بل وظهرت بوادر التوفيق حين بدأ النظام السوري الوليد يحاول وضع أقدام سوريا على طريق التنمية والتقدم والأمن والاستقرار،
وينجح في فترة وجيزة، أن يُحدث قفزات تنموية، هنا جاءت الخطة البديلة وهي إخراج الثعابين من الجحور، وتثوير الخونة والعملاء، وإثارة النعرة الطائفية واستجاب حكمت الهاجري زعيم الدروز،
لتبدأ الخطة وليُقدم المشهد للعالم على أن الشرع يواجه شعبه ويضطهد الأقليات، ولتبدأ القوى الإعلامية في تصدير السردية المخيفة، وإظهار عودة الميليشيات والجبهات، وعودة الجولاني وجبهة النصرة من جديد، واستغلال حالة الإسلام فوبيا، للتفزيع من حكم النظام السوري،
ولكن التوفيق المصاحب لمسيرة الحكومة السورية، قلب الطاولة على الحاقدين، فقد خرج الشرع من السويداء -أو هكذا أوهم العالم- ليواجه أبطال العشائر أذناب الهاجري، فأصبح المشهد المُقدم للعالم، أنَّ العشائر في مواجهة الدروز، ووقفت الحكومة موقف الضبط الحازم للأمور، حتى صرخ الهاجري بعد أن أذلته العشائر، ولم يحم ظهره الجيش الصهيوني، فبات يصرخ طالبًا وقف إطلاق النار،
وهنا تظهر أصوات دولية تطالب بتدخل الحكومة السورية لوقف إطلاق النار، ويأتي الشرع الرئيس مستجيبا لتلك النداءات ويتدخل طالبا وقف إطلاق النار، وهكذا أعلنت الرئاسة السورية، في بيان اليوم السبت، وقفا فوريا وشاملا لإطلاق النار في السويداء، فيما بدأت قوات الأمن الداخلي بالانتشار في المدينة.،
وليهر الشرع الرئيس وهو يقوم بدور الضبط -لا الدور الذي كان يهدف العدو لإظهاره عليه وهو دور المواجهة- وليُثمن الشرع دور العشائر في مواجهة الفتنة، والطريف أنه ينتقد تحركها بشكل منفرد، وهكذا يظهر الوجه السياسي للشرع،
مؤكداً أن الاشتباكات العنيفة بين المجموعات هناك كادت أن تخرج عن السيطرة، لولا تدخل الدولة السورية لتهدئة الأوضاع. ولتحثَّ الرئاسة السورية جميع الأطراف على الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال القتالية في جميع المناطق على الفور، وهكذا تعود السيطرة والهيمنة للدولة السورية.
وهكذا ينجح الشرع في قلب الطاولة على خصومه الذين أردوا أن يظهروا وجه الجولاني، فسطع لهم وجه الرئيس الشرع الساعي إلى وأد الفتنة وضبط الأمور، وليكسب الشرع جولة سياسية وعسكرية جديدة، أدب فيها المتمردين وأوصل الرسالة للحاقدين، ولتعود الدولة إلى أداء مهامها المنوطة بها مع إشراقة هذا اليوم السبت، حيث قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، في بيان نشره على تليغرام، إن قوات الأمن الداخلي بدأت الانتشار في السويداء لـ«حماية المدنيين ووقف الفوضى».
ومع إشراقة اليوم الجديد يتجدد الأمل الوليد في أن سوريا ستبقى الدولة الموحدة على خطى الإصلاح والتنمية.