قد لا يدرك كثير من الناس أبعاد ما حدث ولا يزال يحدث في سوريا في هذه المرحلة؛ فالحقيقة أن ما يجري هو استئناف للصدام والصراع المزمن ببن أصحاب مشاريع معادية متعددة ضد أهل السنة هناك.
وهذا الصراع يمثل صورة معبرة عما يحصل في بلدان عربية وإسلامية أخرى كثيرة، يتعرض فيها أهل الإسلام لتآمر وكيد ومكر كُبَّار من أمم لها ديانات ومذاهب ومناهج وأفكار؛ تريد بها فرض أمر واقع يضمن لها حقوقا لا تخصها، ومصالح على حساب البلاد وأهلها، في ظل ضعف أو استضعاف عام لأهل الإسلام، استمر معه عجزهم أو تعاجزهم عن التصدي لمجموع تلك المشروعات بمشروع جامع لأهل السنة على مستوى الأمة، يشمل كل المسلمين السائرين على المنهاج المستقيم..
إن هذا الواقع المأزوم بعينه؛ هو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ) رواه أبو داوود (٤٢٩٧) وصححه الألباني في صحيح الجامع (٨١٨٣).
وتداعي الأمم الذي يعكس صراع المشروعات في أرض الشام وغيرها؛ ليس وليد هذه المرحلة، بل إنه جاء منذ غاب كيان الخلافة الجامع منذ قرن من الزمان بسقوط الدولة العثمانية، الذي اقترن بمرحلة حكم الجبريين العلمانيين الذين هانت الأمة بوهنهم أمام أعدائها..
وإذا كان مشروع الصهيونيتين – التوراتية والإنجيلية – قد تفرد ببلاد بيت المقدس لأسباب دينية أخروية خرافية؛ فإن سوريا قد تعددت فيها المشروعات المتصارعة، فإضافة إلى احتلال صهاينة اليهود للجولان السورية ومحاولة تمددهم الحالي في أرض الجبل والسويداء لتشجيع الدروز على الانفصال بمشروع خاص بهم ومتحالف معهم؛ فإن صهاينة النصارى الأمريكيين قد حجزوا لأنفسهم أكثر مناطق سوريا ثراء بالنفط والغاز في منطقة في الشمال الشرقي، وذلك بالتحالف مع كيان الخذلان [قَسَد] أو ( قوات سوريا الديمقراطية) التابع للأكراد السوريين ومن على طريقتهم من الساعين للانفصال بشمال شرق سوريا، في دولة علمانية مستقلة، تهدف للالتحاق لاحقا بباقي مكونات الأكراد في تركيا والعراق وإيران، لإنشاء كيان علماني كردي تحت مسمى (كردستان الكبرى)..
كذلك كان لشيعة الفرس الإيرانيين مشروعهم الرامي للهيمنة على سوريا كلها من خلال عائلة الأسد النصيرية، وهو ما حدث بالفعل خلال العقود الماضية وحتى سقوط الطاغية بشار، ولكن الصراع بين إيران والأمريكان انتهى بإخراج المشروع الشيعي من حلبة صراع المشروعات هناك، بعد الضربات القاصمة التي وُجهت لأذرع إيران في الشام، وهو ما انسحب ضعفا أيضا على المشروع الروسي في سوريا، حيث كان الروس يتطلعون إلى بقاء نفوذهم في قواعدهم العسكرية بالساحل الغربي من سورية، ليجعلوا من اللاذقية منفذا بحريا دائما لهم.
وهنا.. لا ينبغي تجاهل الحقيقة القائلة بأن صراع المشروعات: الإسرائيلية والأمريكية والإيرانية والروسية في سوريا؛ يراد حسمه من خلال مشروع آخر أكبر وأخطر، ترعاه الصهيونية العالمية، وهو مشروع تقسيم سوريا وغيرها بين المقتسمين من أعداء المسلمين، حيث وُضعت ثم عُدلت ثم تتابعت منذ الخمسينات مشروعات تقسيم جديدة مكملة لتقسيمات (سايكس/ بيكو) في المنطقة كلها، وكان نصيب سوريا منها أن تُقسم إلى أربع دويلات أو مناطق نفوذ: كردية تابعة للأمريكان، ودرزية تابعة لكيان العدوان، ودويلة علوية وأخرى عربية سنية..
وفي ظل إدراك تفاصيل وخلفيات ذاك الصراع المتسارع اليوم، بعد الضربات الإسرائيلية للعاصمة السورية بدعوى حماية الدروز؛ يمكننا فهم أبعاد الأحداث الجارية هناك، وجسامة المسؤوليات والمهمات الصعبة الملقاة على قيادات أهل السنة في سوريا، وهو ما يوجب النصرة لهم والوقوف معهم بكل مقدور ومستطاع..
ولكن مسار الأخبار بوجه عام في السنوات الأخيرة يشير إلى أن قوى المشاريع المتصارعة آخذة في التفكك بتسليط الله بعضهم على بعض، بحسب سنة الله في دفع الناس بعضهم ببعض، وكذلك بظهور أجيال جديدة من الطائفة الظاهرة على الحق، حيث تبذل في تجاهد في سبيل الله قدر وسعها، وإن خذلها العالم او وقف في وجهها، وقد قال الله تعالى لنبيه ومن معه وقت علو الكافرين : {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا} [النساء/٨٤]
وعزاؤنا وأملنا بخصوص مصير إخواننا في بلاد الشام عامة؛ وفي فلسطين وسوريا خاصة؛ هو ما ثبت في الحديث الصحيح أن أبا حذيفةَ بنِ اليمان ومعاذ بنِ جبل (رضي الله عنهما) استشارا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنزلِ الذي ينزلانه للجهاد بعده، فأومأ -يعني أشار- إلى الشَّامِ، ثمَّ سألاه فأومأ إلى الشَّامِ.. وقال: (عليكم بالشَّامِ، فإنَّها صفوةُ بلادِ اللهِ، يُسكِنُها خيرتَه من خلقِه، فمن أبَى فليلحَقْ بيمنِه، وليسْقِ من غُدَرِه، فإنَّ اللهَ تكفَّل لي بالشَّامِ وأهلِه) (صحيح الترغيب والترهيب (٤/ ١٠٣) وإسناده حسن صحيح.
فاللهم أبرم للأمة في الشام وغيرها أمر رشد يُعز فيه أهل الطاعة، ويٌعافى فيه أهل المعصية، ويُذل فيه أهل الفساد والعناد.. يا سميع الدعاء
وللحديث بقية بإذن الله.
اقرأ أيضًا