في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، ومع تزايد التقارير الدولية التي تحذر من وقوع مجاعة شاملة، تتصاعد الأصوات في العالم الإسلامي مطالبة بتحرك عاجل وفاعل.
وفي هذا السياق، أدلى الشيخ الدكتور عبد السلام كريمي، ممثل علماء أهل السنة في إيران، بتصريحات قوية أدان فيها صمت الدول الإسلامية تجاه ما وصفه بـ”المجزرة الإنسانية” التي ترتكبها الصهيونية العالمية بحق الشعب الفلسطيني.
وتأتي هذه التصريحات في وقت يتعاظم فيه العجز الدولي، وتغيب فيه مواقف حازمة من المؤسسات الإسلامية والدولية، ما يجعل نداء كريمي صرخة في وجه التخاذل، ودعوة لإعادة الاعتبار للمسؤولية الدينية والإنسانية تجاه أهل غزة.
وفي تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام إيرانية رسمية من بينها وكالة أنباء إرنا، قال كريمي إن استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وسط “تواطؤ دولي وصمت إسلامي” يُعدّ دليلاً على “خلل أخلاقي عالمي”،
مضيفًا: “ما يحدث في غزة ليس مجرد حصار أو حرب، بل هو تطهير جماعي وتجويع متعمد لأهل الأرض، ويجب على الأمة الإسلامية أن تخرج من صمتها المهين”.
تحذير من الصمت الإسلامي
وحذر كريمي من تجاهل الدول الإسلامية لما يحصل في القطاع، مشيرًا إلى أن السكوت على هذه الجرائم يُعدّ “تواطؤًا صريحًا مع المحتل”، ودعا حكومات العالم الإسلامي إلى عدم الاكتفاء بـ”بيانات الشجب”، بل اتخاذ خطوات عملية لدعم الفلسطينيين سياسيًا وإنسانيًا.
هذا الموقف يتقاطع مع تقارير أممية رسمية، مثل تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) الصادر هذا الأسبوع، والذي وصف الوضع في غزة بـ”الكارثي”، مع تسجيل حالات وفاة نتيجة الجوع في شمال القطاع، وانعدام الأمن الغذائي لأكثر من 90٪ من السكان.
دعوة لتفعيل الموقف الإسلامي
وطالب الشيخ كريمي بإعادة توحيد الصف الإسلامي، قائلاً: “لا بد من تفعيل الدور الحقيقي لمنظمة التعاون الإسلامي، وإصدار فتاوى شرعية واضحة من علماء الأمة لدعم المقاومة، ووقف نزيف الدم الفلسطيني”.
وأشار إلى أن المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية الفاعلة من قبل الدول الإسلامية يمكن أن تكون وسيلة ضغط حقيقية، مشددًا على “دور العلماء في تعبئة الشعوب وقيادة الرأي العام”.
السياق الدولي والحقوقي
تأتي تصريحات كريمي في وقت تتزايد فيه تحذيرات منظمات دولية من تفاقم الوضع الإنساني في غزة. فقد أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن “استخدام التجويع كسلاح حرب هو جريمة”.
بينما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأوضاع في المستشفيات ومراكز الإيواء بـ”المنهارة”، نتيجة الحصار ونفاد الموارد.
كما دعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى فتح ممرات آمنة لإدخال المواد الغذائية، فيما أشار تقرير مشترك مع برنامج الأغذية العالمي إلى أن “أكثر من نصف مليون إنسان في غزة يواجهون خطر المجاعة الفعلية”.
تصريحات الشيخ عبد السلام كريمي تأتي كنداء صارخ وسط صمت رسمي عربي وإسلامي واسع، في وقت يتعمق فيه الجرح الفلسطيني. دعوته إلى إعادة تفعيل أدوات العمل الإسلامي المشترك تعكس حاجة ملحّة إلى تجاوز الشجب إلى الفعل الحقيقي، مدعومًا بالمواقف الحقوقية الدولية التي تؤكد عمق الكارثة في غزة.
آراء حول تصريحات الشيخ عبد السلام كريمي بشأن المجاعة في غزة
دعم واسع في الأوساط الدينية والشعبية
لاقَت تصريحات الشيخ عبد السلام كريمي صدىً واسعًا في أوساط علماء الدين والناشطين في العالم الإسلامي، واعتُبرت تعبيرًا صادقًا عن الغضب الشعبي إزاء الجرائم المرتكبة في غزة.
وأثنى عدد من رجال الدين البارزين في العالم العربي والإسلامي على موقف كريمي، معتبرين أن “هذه اللغة المباشرة مطلوبة من العلماء في وقت تتعرض فيه الأمة لأشد المحن”.
وفي هذا السياق، قال الشيخ محمد الحسن الددو، أحد أبرز علماء الشريعة في العالم الإسلامي، عبر منشور له على منصة “إكس” (تويتر سابقًا): “الشيخ كريمي وضع إصبعه على الجرح، فالصمت في مثل هذه المجازر خيانة، والعلماء هم صوت الأمة ويجب أن يُسمعوا”.
إشادة بدعوته لتفعيل أدوات الضغط الإسلامي
في الأوساط السياسية والفكرية، حظيت دعوة كريمي لتفعيل أدوات الضغط الإسلامي، مثل منظمة التعاون الإسلامي والفتاوى الداعمة للمقاومة، باهتمام كبير، إذ اعتبرها باحثون ومحللون طرحًا عمليًا بدلًا من الاكتفاء بالشعارات.
وأشارت د. نسرين العيسى، المتخصصة في العلاقات الدولية في جامعة طهران، إلى أن “هذا النوع من الخطاب يعكس إدراكًا لضرورة الانتقال من المواقف الرمزية إلى أدوات ضغط مؤسسي يمكن أن تحدث فرقًا على الأرض، خاصة في ظل التخاذل الغربي والشلل الأممي”.
تحفظات من بعض الجهات الرسمية
في المقابل، لم تخلُ الساحة من ردود فعل متحفظة، خصوصًا من بعض الجهات الرسمية التي رأت في تصريحات كريمي لهجة تصعيدية قد تؤدي إلى إحراج بعض الأنظمة.
واعتبر مراقبون أن الصراحة في تصريحاته قد لا تلقى ترحيبًا لدى الحكومات التي تحاول الحفاظ على توازنات سياسية مع القوى الغربية أو إسرائيل.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذا التباين في المواقف يعكس اتساع الفجوة بين الموقفين الرسمي والشعبي في العديد من الدول الإسلامية، حيث يبقى الخطاب الشعبي والديني أكثر ارتباطًا بالقضية الفلسطينية وأقرب إلى هموم الشعوب.
خلاصة الآراء
تمثل تصريحات الشيخ عبد السلام كريمي صوتًا من الأصوات القليلة التي خرجت من المؤسسة الدينية الرسمية لتدين بشجاعة ما يجري في غزة، وتحذر من الصمت الإسلامي.
وبينما لاقت إشادة واسعة من العلماء والناشطين، أثارت في الوقت نفسه تحفظ بعض الجهات الرسمية، ما يعكس طبيعة المعركة التي تدور اليوم – ليس فقط على الأرض، بل أيضًا في ميادين الضمير والموقف.
