رواية دون كيشوت – ميغيل دي ثيربانتس
ترجمت إلى أكثر من 140 لغة، وتُعد من أعظم كتب البشرية.
في مطلع القرن السابع عشر، خرج من قلب الريف الإسباني رجل نحيل يمتطي حصانًا هزيلًا، ويحمل رمحًا صدئًا، مُعلنًا الحرب على طواحين الهواء، ومطالبًا بالعدالة في عالم غارق في العبث. كان هذا هو “دون كيشوت”، بطل رواية ميغيل دي ثيربانتس الخالدة، التي أحدثت انقلابًا في تاريخ الأدب، واعتُبرت أول رواية حديثة في العالم.
ميغيل دي ثيربانتس.. السجين الذي كتب أعظم رواية
وُلد ثيربانتس عام 1547 في إسبانيا، وخاض حياة مليئة بالتناقضات: جنديًا في معركة ليبانتو، وأسيرًا لسنوات على يد القراصنة، ثم موظفًا فقيرًا، وسجينًا بسبب الديون. ورغم قسوة حياته، كتب رائعته دون كيشوت وهو في الخمسين من عمره. رحل عام 1616، في العام ذاته الذي توفي فيه شكسبير.
فارس من الوهم.. ضد عالم لا يعترف بالنبل
الرواية التي صدرت بجزئيها عامي 1605 و1615، تحكي قصة ألونسو كيخانو، الرجل النبيل الذي يفرط في قراءة كتب الفروسية حتى يفقد اتزانه، فيُعيد اختراع نفسه باسم “دون كيشوت” الفارس الجوال، المنقذ للضعفاء، والمقاتل من أجل العدالة.
يرافقه في مغامراته القروي البسيط “سانشو بانزا”، الذي يجسّد الواقع والسخرية، بينما يظل دون كيشوت غارقًا في خيالاته النبيلة، يحارب طواحين الهواء ظنًا أنها عمالقة، ويحب “دولثينيا”، السيدة النبيلة التي لا يعرفها أحد سواه.
الرواية التي أسست الأدب الحديث
لم تكن دون كيشوت مجرد حكاية طريفة عن رجل مختل، بل عملاً أدبيًا عبقريًا تجاوز زمنه. هي الرواية التي أدخلت النفس البشرية إلى الأدب، بمخاوفها وأحلامها وأوهامها وصراعاتها الداخلية.
قال عنها كبار المفكرين:
شوبنهاور: “أعظم ما كُتب على الإطلاق.”
ميلان كونديرا: “من دون كيشوت بدأت الرواية، وانتهت الأسطورة.”
توماس مان: “إنه أول بطل حديث يسقط في مواجهة العالم.”
دون كيشوت على المسرح والشاشة
ألهمت الرواية مئات الأعمال الفنية عبر القرون. ففي الغرب، تحوّلت إلى أوبرا شهيرة بعنوان “رجل من لا مانتشا”، ثم إلى فيلم سينمائي عام 1972 بطولة بيتر أوتول وصوفيا لورين. كما ظل المخرج تيري جيليام يحاول لعشرين عامًا إنجاز فيلمه “الرجل الذي قتل دون كيشوت” حتى خرج إلى النور عام 2018.
أما في العالم العربي، فقد ظهرت معالجة الروح الدونكيشوتية بوضوح في:
مسرحيات سعد الله ونوس مثل “الملك هو الملك” و*”الفيل يا ملك الزمان”*، حيث يظهر البطل الحالم في مواجهة السلطان، في إسقاط مباشر على المثقف العربي بين الواقع والحلم.
يوسف إدريس في “جمهورية فرحات”: جسّد المثالي الذي يُصادم الواقع القاسي، مستلهمًا صورة دون كيشوت في بيئة مصرية.
كما جُسّدت شخصيات شبيهة به في مسرحيات طلابية ومهرجانات عربية في العراق وتونس والمغرب، كلها تستدعي الفارس الموهوم في مواجهة عالم بلا فرسان.
اقتباسات لا تُنسى
“الحرية، يا سانشو، هي منحة السماء الكبرى، ولا شيء يُعادلها.”
“من لا يعرف كيف يُكافئ المعروف، لن يعرف يومًا كيف ينجو من الغدر.”
“الجنون أحيانًا ليس في أن ترى ما لا يراه الناس، بل في أن تؤمن بإمكانية تغييره.”
“لا شيء يُثقل القلب مثل حلم عجز عن أن يصير حقيقة.”
في الترجمات والتلقي العربي
تُرجمت دون كيشوت إلى العربية مرارًا، أشهرها ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي. وتأثرت بها الثقافة العربية بعمق، حتى أصبح وصف “دونكيشوتي” شائعًا للدلالة على المثالي الحالم الذي يصارع الوهم في مواجهة واقع لا يعترف بالقيم.
خلاصة: فارس يحارب من أجل ما لا يُرى
رواية دون كيشوت لا تزال تُقرأ حتى اليوم، لأنها تعبر عن الإنسان الحالم في كل الأزمنة. هي مرآة صادقة لنُبل ضائع، تُعلّمنا أن الحلم، حتى لو بدا جنونًا، يظل أكثر إنسانية من العقل حين يفقد الأخير ضميره.