في ظل الأحداث المتسارعة التي تعيشها القضية الفلسطينية وتداعيات الأزمات العالمية، يبرز الشاعر الفلسطيني أسامة فخر الدين كواحدٍ من الأصوات الشعرية الصادقة والقوية التي توثق الواقع بكل أبعاده الاجتماعية، الوطنية، والإنسانية.
فهذا الشاعر الذي أصدر عدة دواوين يمزج بين اللهجة العامية والفصحى ليقدم نصوصًا تمس وجدان القارئ وتثير المشاعر الوطنية والإنسانية. وفي إصداره الأخير عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن (2025) يطلق فخر الدين ديوانه الثالث “الزيارة انتهت” بعد نجاح مجموعتيه السابقتين: “ولو بعد حين” و”علم وثوب وكوفية”.
جاء هذا الديوان كضربةٍ مباشرةٍ في وجه الاحتلال، ناطقًا باللهجة العامية الفلسطينية، ورافضًا للتطبيع والتخاذل، ومفتخرًا بالمقاومة كطريق أوحد للحرية. يحمل عنوان الديوان رسالته المركزية على لسان الشاعر:
“يقيني أنَّ احتلال بلادي قد طال، بل وزاد كثيرًا عن حدِّه، وأنَّ الأوان قد آن لرحيلهم… نقولها لهم بملء أفواهنا: الزِّيارة انتهت”.
فالديوان مرآة لمرحلة ما بعد طوفان الأقصى، يعبِّر فيها الشاعر عن انفجار الوعي الجمعي الفلسطيني وتحوُّل الخطاب العام من دفاعي إلى هجومي، ومن مأساوي إلى تهكُّمي، ومن مُستَضعَف إلى مُواجِه. وقد تنوّعت القصائد بين الهجاء السياسي، والرثاء الوطني، والتمجيد المقاوم، والعتب العربي، والسخرية السوداء.
يعد ديوان “الزيارة انتهت” علامة فارقة في شعر المقاومة الفلسطينية. الديوان جاء حاملاً رسالةً واضحةً ومباشرةً عبر اللهجة العامية الفلسطينية التي استخدمها كوسيلة قوية للتواصل مع الجمهور الفلسطيني والعربي على حد سواء.
تميز الديوان بتنوع موضوعاته التي تراوحت بين الهجاء السياسي، والرثاء الوطني، والسخرية من الاحتلال، والتمجيد للمقاومة، مع عتاب للأنظمة العربية، ودعوة للوحدة الفلسطينية. ولاقى هذا العمل قبولًا واسعًا في الأوساط الثقافية، حيث أشاد به عدد من المثقفين والفنانين الفلسطينيين والعرب، من بينهم في رسالة صوتيَّة من الدُّكتور “معن القطامين”، فقال: “والله صراحة أنا معجب بكتاباتك، قرأت بعضها.. شيء رائع فعلًا، أنت شخص تكتب من القلب ويصل إلى القلب”. ومن السَّيِّدة “سامية تلهوني” التي قالت: “أسامة بهنِّيك ع الكتاب، بالفعل إشي بفش الغل، والله إنك رجل مبدع، لمَّا الواحد بيقرأ الشِّعر بتتحرك كل مشاعره وكل غضبه وكل حُبُّه، كتابك يلامس القلب”. وأما المناضل أحمد قعبور فقال: “الكتابين بعيدين عن الإدعاء وفيهم كميَّة من الصِّدق والإحساس، الانتماء الوطني عالي جدًا. يغلب عليهم الطَّابع المباشر، بعض القصائد ممكن تُغنَّى بشكل جماعي، وتعمل إضافة للهتاف الشَّعبي، زجليات وطنيَّة صادقة”.
يتميّز أسلوب فخر الدين بالاقتراب من الناس، فجاءت قصائده باللهجة العاميّة، بسيطة من حيث الشكل، عميقة من حيث المضمون، ومشحونة بطاقة وجدانية تجعله قريبًا من الشارع ومن الناس البسطاء.
جاء الديوان مقسَّمًا إلى قسمين: القسم الأول للقصائد الوطنية، وضمَّ 53 قصيدة، وقد تناولت قصائد القسم الأول موضوعات وطنية متعددة تهدف إلى فضح النفاق الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية مثل: “ماذا لو”، “يا ربيب إبليس”، “دبحوه”، “صفقة القرن”، …
ركَّز الشاعر في قصائده الوطنية على وحدة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، ووقوفه إلى جانب المقاومة في فلسطين حتى التحرير، كما يثني على مواقف الأحرار المساندين للقضية الفلسطينية في الغرب، ويوضح أن عملية طوفان الأقصى ساهمت في إحياء القضية الفلسطينية عند شعوب العالم التي كاد التطبيع مع العدو الصهيوني يقضي عليها، كما كشف حقيقة هذا العدو العدواني والدموي الذي سرق الأرض الفلسطينية من أصحابها تحت سطوة السلاح وشردهم في أصقاع الأرض. كما بيَّن تمسك الفلسطينيين بأرضهم في داخل الأرض المحتلة وخارجهم، وتمسكهم بحق العودة.
وفضح الشاعر مخططات العدو وحلفائه من خلال تفنيد أهداف صفقة القرن في قصيدته “على دلعوناـ صفقة القرن”، وتساءل في قصيدة “ماذا لو” تساءل عن التفريق بين الفلسطينيين والأوكرانيين من قبل المجتمع الدولي، وفضح كذب شعاراتهم التي لا تنبع من موازين العدل والمساواة، وفي قصيدة “بالشَّقلوب” يعاتب الأمة العربية لخذلانها أهل غزة، فالأولى بها أن تساندها لا التخلي عنها، وخلَّد الشاعر بطولات الفلسطينيين وخاصة في غزة، وخلَّد أسماء الأبطال كإسماعيل هنية، والسنوار، وغيرهم. ويكبر الشاعر موقف اليمن العظيم في وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني وضربه العدو الصهيوني بالصواريخ رغم البعد الجغرافي عن غزة، فالحر إذا أراد المقاومة لا يثنيه شيء.
• ذاكرة المكان والتاريخ
من اللافت اهتمام الشاعر بتدوين أسماء المدن والقرى الفلسطينية من خلال شعره كما أرَّخ لبغض الأحداث السياسية كمذبحة دير ياسين وقانا، وغيرها بأسلوب متناسق مع سياق القصيدة.
وأما القسم الثاني فللقصائد العامة وضمَّ 22 قصيدة، تناولت موضوعات شتى، منها قصيدة “الرد على قصيدة عنترة في زمن الكورونا” التي أرسلها تعبيرًا عن التحدي والصبر في مواجهة الجائحة، داعيًا الناس إلى الثبات والتوكل على الله، مؤكدًا أن هذا الوباء مؤقت، وأن الحياة ستعود إلى طبيعتها. كما كتب قصيدة بعنوان “أيام الكورونا” واستعرض الشاعر من خلالها التحديات اليومية في ظل الإغلاق والابتعاد عن الأحبة والمدارس والرياضة، بأسلوب شعبي بسيط وواقعي يلامس حياة الناس اليومية.
كما عبَّر الشاعر عن الأمل والدروس المستفاد من فترة الوباء، مؤكدًا ضرورة التآزر الأسري، والالتزام الصحي، والحفاظ على البيئة، ومناشدًا بالابتعاد عن العادات القديمة التي قد تؤدي إلى تكرار الأزمة.
• استعادة الحنين بأغنية لأفلام الزمن الجميل
، استعاد أسامة فخر الدين كذلك في قصيدته “أفلام زمان”استحضر ذكرى السينما المصرية الكلاسيكية وأبطالها الذين شكلوا جزءًا من الذاكرة الفنية العربية. يروي فيها بأسلوب شعري غنائي حنينه لتلك الحقبة الذهبية من الأفلام البيضاء والسوداء، وأسماء النجوم الذين تركوا بصمة لا تُنسى في السينما العربية. القصيدة عبارة عن تحية لحقبة مليئة بالمواقف الإنسانية والقصص التي ما زالت تلهم الجمهور العربي.
• جوانب إنسانية وشخصية في شعره
يظهر جانب إنساني عميق في قصيدته ينتقد أسامة بأسلوب ساخر نفسه على عادة النوم الكثير في قصيدة “صح النُّوم”، مع إشارات طريفة وأسماء من بيئته، ومحيطه، تعكس طابعًا فكاهيًا وشخصيًا مغايرًا لأجواء المقاومة والهموم الوطنية التي غالبًا ما يكتبها.
وفي قصيدة “قمح فاسد” يعبر أسامة عن غضبه الشديد تجاه توريد قمح مسوس من الكيان الإسرائيلي، مما يعكس قلقه من تداعيات مثل هذه القضايا على صحة الإنسان الفلسطيني ويكشف عن ظاهرة الفساد وسوء الإدارة.
• تأملات روحية وشكر لله
يتجه الشاعر في قصيدة “أشكر الرحمن” إلى الجانب الروحي، موصيًا الناس بالحمد والشكر لله على النعم الكثيرة التي يحيط بها الإنسان، والاعتراف بأهمية التوكل على الله في كل الأمور، مع تجنب الحسد والغيبة. تظهر في هذه النصوص روحانية واضحة توازن بين الطابع الوطني الاجتماعي والشخصي.
• سرد قصصي شعري: فسخت الخطبة
يبرز أسلوب سردي شعري قوي في قصيدته “فسخت الخطبة” التي تحكي قصة فتاة قررت فسخ خطبتها بعد أن اكتشفت صفات غير مقبولة في خطيبها، خاصة مع تعامله السيء مع أمه. تعكس القصيدة الطابع الدرامي الواقعي، وتبرز حساسية الشاعر تجاه العلاقات الإنسانية الاجتماعية.
• حضور واسع وتفاعل كبير
الشاعر أسامة فخر الدين يحظى بتقدير كبير من مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني والعربي، فأسلوبه يمزج بين الصدق والبساطة والعمق، وتغطي نصوصه مجموعة كبيرة من الموضوعات التي تهم المواطن العربي: من القضية الوطنية إلى القضايا اليومية، ومن المعاناة إلى الأمل.
تفاعل الجمهور مع قصائده يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي والمناسبات الثقافية، حيث يعتبره كثيرون من الأصوات التي تمثل نبض الشارع بكل صدق وقوة، ومن الشاعرين الذين نجحوا في جعل الشعر أداة مقاومة وتغيير.
• ملامح أسلوبية وشعرية
يستخدم أسامة في قصائده اللهجة العامية الفلسطينية، مع مزيج من الفصحى، محققًا توازنًا بين السهل والمكثف، مما يجعل نصوصه في متناول الجميع، ويضفي على كلامه مشاعر مباشرة وعميقة في آنٍ واحد.
يحرص على إدخال صور فنية وتناصات تاريخية وثقافية، وتوظيف رموز المقاومة، مما يمنح نصوصه طابعًا شعبيًا حيويًا يناسب نبض الشارع واحتياجاته.
• نظرة مستقبلية
مع استمرار تصاعد الأحداث في المنطقة وتزايد الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، من المتوقع أن يزداد تأثير شعر أسامة فخر الدين، خاصة مع اتساع رقعة التفاعل عبر منصات التواصل الثقافي والإعلامي.
يعد ديوان “الزيارة انتهت” شاهدًا على مرحلة فريدة من النضال الفلسطيني، ويعكس تحولًا في لغة المقاومة وصياغة الخطاب الشعري المقاوم في زمن التطبيع والاعتداءات.
ومن اللافت أنَّ الشاعر أسامة فخر الدين، يقدِّمُ عبر مجموعته المتنوعة من القصائد والدواوين شهادة شعرية عن الصراع والأمل والإنسانية، ليكون بذلك واحدًا من أبرز الأصوات الشعرية الفلسطينية التي تعبر عن وجدان شعبها، وتدعو إلى الوحدة والمقاومة والتفاؤل.