حل الدولتين هو تصور دولي لتسوية الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي يقوم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، تعيشان بسلام وأمن ضمن حدود معترف بها دوليًا. تقوم الدولة الفلسطينية في هذا التصور على الأراضي المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.
وتتضمن ملامح هذا الحل:
•انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة.
•قيام دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية.
•حل قضية اللاجئين استنادًا للقرار الأممي 194.
•اتفاق على تقاسم الموارد كالمياه.
•ترتيبات أمنية قد تشمل نزع سلاح الدولة الفلسطينية.
“منزوعة السلاح”… ماذا تعني؟ ولماذا تُطرح؟
الحديث عن “دولة فلسطينية منزوعة السلاح” يعني أن لا يكون لها جيش أو أسلحة ثقيلة، مع الاكتفاء بأجهزة أمنية لحفظ النظام الداخلي فقط. هذا الشرط تطرحه إسرائيل منذ سنوات بدعم أمريكي، ويبرر بأنه يضمن عدم تهديد الأمن الإسرائيلي، لكن الفلسطينيين يعتبرونه انتقاصًا من السيادة ووسيلة لمنع الدفاع عن النفس، وتحديدًا المقاومة ترى فيه محاولة لإجهاض دورها بالكامل.
من طرح حل الدولتين؟ ومن يعارضه؟
الفكرة تعود إلى قرار التقسيم الأممي 181 عام 1947، لكن طرحها السياسي المعاصر بدأ مع اتفاق أوسلو عام 1993، ثم خريطة الطريق في 2003، ومبادرة السلام العربية عام 2002 التي ربطت التطبيع العربي مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.
ورغم أن غالبية المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم، تؤيد حل الدولتين، فإن إسرائيل تعارضه من حيث التطبيق، خاصة بقيادة اليمين الإسرائيلي، وعلى رأسه بنيامين نتنياهو. فبينما يصرح أحيانًا بقبوله من حيث المبدأ، فإن سياساته الميدانية—مثل توسيع الاستيطان ورفض الانسحاب—تُفشل أي إمكانية حقيقية لتنفيذه.
الأحزاب اليمينية والدينية في إسرائيل، ومعها المستوطنون، يرون أن أي دولة فلسطينية تشكل خطرًا وجوديًا، كما يرفضون التخلي عن أي جزء من “أرض إسرائيل الكبرى”.
هل هناك فرق بين صيغة أوسلو وحل الدولتين اليوم؟
نعم. عند توقيع اتفاق أوسلو، كانت هناك أجواء من التفاؤل والثقة النسبية، وكانت منظمة التحرير شريكًا رسميًا معترفًا به من إسرائيل. آنذاك، لم تكن غزة تحت سيطرة المقاومة، ولم تكن المستوطنات على هذا القدر من التوسع. أما اليوم، فالوضع مختلف جذريًا:
•إسرائيل ترفض أي انسحاب حقيقي.
•القيادة الفلسطينية تعاني من ضعف الشرعية الشعبية.
•غزة تُحكم من قبل قوى مقاومة ترفض الاعتراف بإسرائيل.
•الاستيطان توسع ليجعل الدولة الفلسطينية “ممزقة جغرافيًا”.
•المجتمع الإسرائيلي انزاح نحو اليمين المتطرف.
موقف الولايات المتحدة والغرب بعد فوز ترامب
مع فوز دونالد ترامب، المعروف بدعمه غير المحدود لإسرائيل، عاد المشهد الدولي إلى ما يشبه فترة “صفقة القرن”، حيث يتلاشى الضغط الأميركي على إسرائيل، ويتراجع دعم حل الدولتين عمليًا رغم الخطاب العلني. ترامب لا يعترف بالحقوق الفلسطينية كما وردت في قرارات الأمم المتحدة، وقد سبق أن أعلن القدس “عاصمة لإسرائيل” ونقل السفارة الأميركية إليها، كما أوقف تمويل وكالة الأونروا، وشرعن المستوطنات. لذلك، فالتوقعات الدولية بأن تقود واشنطن حلًا نزيهًا باتت ضعيفة جدًا.
لماذا تتشجع الدول الغربية للاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن؟
رغم انحياز الإدارة الأميركية الحالية، فإن بعض الدول الأوروبية والغربية بدأت تتحرك بشكل مستقل، لعدة أسباب:
1.رد فعل على الحرب في غزة وما كشفته من فظائع إنسانية، خاصة بعد 7 أكتوبر 2023.
2.تصاعد الضغط الشعبي والبرلماني الداخلي في دول الغرب المؤيدة للحقوق الفلسطينية.
3.إحباط عميق من السياسات الإسرائيلية الحالية وغياب الأفق السياسي.
4.الخوف من زوال إمكانية حل الدولتين فعليًا بسبب الاستيطان والانقسام الفلسطيني.
5.محاولة الحفاظ على “شرعية القانون الدولي”، في ظل خروقات إسرائيل المتكررة.
هذه الاعترافات تهدف إلى دعم سياسي ورمزي للدولة الفلسطينية، وقد تمثل تمهيدًا لمساءلة إسرائيل دبلوماسيًا على الساحة الدولية.
لماذا يُرجأ بعض الاعتراف إلى سبتمبر؟
يرتبط ذلك غالبًا بعوامل تنظيمية ودبلوماسية، وليس بالانتخابات الأميركية التي حُسمت، بل بمحاولات تنسيق المواقف بين الدول الأوروبية، وتجميع كتلة من الاعترافات يمكنها التأثير في الأمم المتحدة، أو في اجتماعات قادمة مهمة مثل الجمعية العامة في سبتمبر.
ما انعكاسات ذلك على غزة؟
الوضع في غزة يعقّد تنفيذ حل الدولتين:
•غزة خارج سلطة رام الله منذ عام 2007، وتخضع لحكم فصائل مقاومة.
•إسرائيل ترفض ضم غزة لأي كيان فلسطيني ما دامت المقاومة فيها مسلحة.
•أي دولة فلسطينية وفق الطرح الغربي ستُشترط بنزع سلاح المقاومة.
•بالتالي، فإن غزة تتحول إلى محور إعاقة أو ورقة مقاومة تفرض شروطًا مختلفة تمامًا عن المسار التفاوضي.
هل هناك قرارات أممية تدعم هذا الحل؟
نعم، قرارات عدة تؤكد على حل الدولتين وتدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة:
•القرار 1397 (2002): أول ذكر صريح لحل الدولتين.
•القرار 1515 (2003): تأييد لخريطة الطريق.
•القرار 2334 (2016): يدين الاستيطان واعتبره عقبة أمام الحل.
موقف العرب والفلسطينيين والمقاومة والأسرى
•الدول العربية تدعم حل الدولتين رسميًا، لا سيما السعودية ومصر والأردن والجزائر. لكن بعض الدول المطبعة مع إسرائيل، مثل الإمارات والمغرب، لا تضغط فعليًا في هذا الاتجاه.
•السلطة الفلسطينية في الضفة تؤيد الحل سياسيًا لكنها ضعيفة ميدانيًا.
•الفلسطينيون في الداخل (داخل الخط الأخضر) يدعمون فكرة الدولة الفلسطينية إلى جانب مساواتهم داخل إسرائيل.
•الفلسطينيون في الشتات يعتبرون أن أي حل لا يشمل حق العودة هو تنازل مرفوض.
•المقاومة (حماس والجهاد) ترفض حل الدولتين لأنه يقوم على الاعتراف بإسرائيل وتثبيت فقدان 78% من فلسطين التاريخية.
•الأسرى في السجون الإسرائيلية يرون أن الحلول السياسية لم تجلب الحرية، ويؤمنون بأن الضغط المقاوم هو الطريق الوحيد لإطلاق سراحهم.
خلاصة
حل الدولتين بات اليوم أكثر تعقيدًا مما كان عليه في زمن أوسلو، وتبدو فرص تطبيقه على الأرض ضعيفة في ظل الوقائع الجديدة: توسع الاستيطان، الانقسام الفلسطيني، تعنت إسرائيل، وانحياز الإدارة الأميركية بقيادة ترامب. ورغم أن الدول الغربية بدأت تعترف بدولة فلسطين في محاولة لإنقاذ ما تبقى من الشرعية الدولية، فإن هذه الاعترافات تظل رمزية ما لم ترافقها خطوات عملية على الأرض. وبينما تقف غزة والمقاومة في وجه الحلول المجتزأة، تظل القضية مرهونة بتغير موازين القوة ميدانيًا، أكثر من أي اتفاقات فوقية أو ضغط دبلوماسي دولي.