يرتفع في وطني الحبيب صوتان متناقضان أحدهما ينبض بالحياة والآخر يخنقها صوت اليأس وصوت الأمل وما بين الصوتين تتأرجح قلوب الناس وأرواحهم وتختبر عزائمهم ويتشكل مستقبل البلاد.
فصوت اليأس يعلو من بين الركام يتحدث عن وطن أنهكته الصراعات وأتعبته المذهبية ومزقته الطائفية وطن باتت الجراح فيه أكبر من أن تحتمل والفواجع أسرع من أن تُحصى حتى خيل للبعض أن لا فكاك من هذا الظلام وأن لا غد يمكن أن يكون أقل وجعا من اليوم صوت اليأس يحاصر الأرواح يطبع الحياة بطابع القنوط ويسدّ منافذ الرجاء إنه ذاك الصوت الذي يجعل من الألم إقامة دائمة ويُقنع البعض أن السقوط هو المصير الحتمي.
لكن ومع هذا السواد هناك صوت آخر خافت في البداية لكنه لا يموت صوت الأمل صوت الذين يؤمنون أن الليل مهما طال لا بد أن يعقبه فجر صوت الذين يرون في الألم طاقة وفي الجراح دروسا وفي الانكسارات بدايات جديدة إنهم أولئك الذين لا ينحنون حتى وإن تكسرت فوق رؤوسهم أمواج القهر صوت الأمل يقول إن الوطن ليس لعنة بل منحة مؤجلة وإن الشعوب التي تنهض من تحت الركام لا تموت بسهولة.
في وطني كل شيء يتغيّر الأغنياء يصيرون فقراء وأبناء الطبقات العليا يذوقون قسوة الحاجة والضعفاء يحملون السلاح ويتقدمون الصفوف والناس يتبادلون الكراسي كما يتبادلون الأدوار في مسرحية مكررة لا فرح يدوم ولا حزن يستمر إننا نعيش على إيقاع المفاجآت وعلى نغمة اللايقين ومع ذلك لا تتوقف الحياة.
إن اليأس حقيقة واقعة لكنه ليس الحقيقة الوحيدة علينا ألّا ندفن رؤوسنا في الرمال وأن نعترف بما نحن فيه من خراب وسوء إدارة وفساد وتشرذم ولكننا في ذات الوقت لا بد أن نفتح نوافذ للضوء ونعبر للجميع أن الظلام ليس قدرا محتوما.
لقد علمتنا الحياة أن لا نجاح يأتي بلا شقاء وأن لا قمة تبلغ بلا تعب لم تصل أوروبا إلى ما هي عليه إلا بعد أن دفعت من الدماء والدمار ما لا يوصف وعانت من أهوال الحروب ما لا يمكن نسيانه ونحن كذلك لا يمكن أن نختصر الطريق أو نقفز على الواقع بل لا بد من المرور بكل مراحل الألم ولكن بثبات وبصيرة وأمل لا ينطفئ.
إن الأمل ليس ترفا بل هو ضرورة بل هو “حياة” الأمل هو الذي يجعل الإنسان ينهض كل صباح رغم الهموم ويسعى رغم الحواجز ويحلم رغم الواقع وما أجمل أن نمحو من حياتنا ظلال اليأس ونعيش الأم ونزرعه في قلوب أطفالنا وننسجه في حديثنا اليومي ونراه في خطواتنا الصغيرة.
في وطني هناك أناس لا يعرفون اليأس يزرعون في صخور المعاناة بذورا ويرون في الخراب بداية جديدة وهناك آخرون لا يعرفون الأمل يسكنون الحزن ويتنفسون الهزيمة بين هؤلاء وهؤلاء يجب أن نقرر نحن من نكون؟ وإلى أي الصوتين ننتمي؟
إن الذين صنعوا المجد في الماضي لم يكونوا خارقين لكنهم كانوا مؤمنين واثقين متشبثين بالأمل في أقسى اللحظات ونحن اليوم في وطني الجريح بحاجة إلى من يضيء لنا طريق الأمل ويمنحنا الثقة أن الغد وإن بدا بعيدا لكنه ممكن وأننا قادرون إذا أردنا أن نصنع فجرنا بأيدينا.
فلنرفع جميعا صوت الأمل ولنجعل منه وقودا لمواجهة هذا الواقع الأليم لننقذ وطننا من هاوية الانقسام والكراهية ولنوقن أن في قلب كل مأساة فرصة وفي كل سقوط بداية نهوض.
ما أجمل أن نحيا بالأمل وما أكرم أن نضيء به عتمات الطريق فاليأس ليس خيارا بل استسلام والأمل ليس حلما بل إصرار على الحياة.