في كل مرة يظهر فيها مؤشر “التحسن المؤقت” لقيمة الريال اليمني تسارع الحكومة اليمنية إلى نشر التفاؤل وترويج ما يُشبه النصر الاقتصادي وكأن الريال استعاد عافيته بعد مرض طويل لكن هذا التحسن مهما بدا لامعا في نشرات الأخبار أو صفحات التواصل لا يُقنع المواطن اليمني الذي يدرك بفطرته أن ما يحدث لا يتجاوز كونه “حقنة مؤقتة” في جسد منهك سرعان ما تنتهي فاعليتها ويعود الألم أكثر حدة.
المشهد يتكرر دون تغيير يُذكر تهبط أسعار الصرف فجأة فيعلو التصفيق الرسمي وتُعلَّق الآمال ويُروَّج لانتصار سياسي أو إداري ما دون أن يكون هناك قاعدة اقتصادية فعلية يمكن الاستناد إليها وما إن يذهب المواطن إلى الصرافين حتى يُفاجأ بأنهم يشترون منه الدولار والعملات الأجنبية بسعر منخفض لكنهم لا يبيعونه بسعر معقول بل يعتذرون أو يتذرعون بعدم وجود سيولة أو عملة تلك ليست سوقًا حرة ولا اقتصادا حقيقياً بل مضاربة متوحشة بلا حسيب ولا رقيب.
يتساءل المواطن البسيط أين الدولة من كل هذا؟ هل توجد سياسة نقدية واضحة؟ هل تعمل الحكومة على إصلاح القطاع المصرفي؟ هل تم تفعيل وتشغيل الموانئ اليمنية بشكل فعلي؟ هل عاد تصدير النفط والغاز إلى مستوياته المعقولة؟ أم أن كل ما نراه هو مجرد “حالة طوارئ” مفتعلة لتهدئة الشارع أو تمرير قرارات أخرى؟
هل توجد سياسة نقدية واضحة؟ هل تعمل الحكومة على إصلاح القطاع المصرفي أم أن كل ما نراه هو مجرد “حالة طوارئ” مفتعلة لتهدئة الشارع أو تمرير قرارات أخرى؟ في الحقيقة، لا شيء يدل على أن الحكومة اليمنية في صيغتها الحالية تملك خطة اقتصادية واقعية تُحدث تغييراً حقيقياً في بنية السوق أو تُحدِث استقراراً دائماً في سعر الريال.
الريال لا يمكن أن يتعافى بثقة إلا إذا تم اتخاذ خطوات فعلية جادة تبدأ من توحيد السياسة المالية بين البنكين المركزيين في عدن وصنعاء وتمر عبر ضبط سوق الصرافة المنفلتة ومنع المضاربة وتنتهي بـزيادة الإنتاج المحلي وتعزيز الصادرات وتوجيه الدعم إلى القطاعات الإنتاجية بدلاً من البقاء في دوامة الاستيراد الاستهلاكي والانقسام السياسي.
نحن أمام سؤال مفتوح هل ما نشهده هو انتعاشة اقتصادية فعلية أم مجرد مناورة سياسية واقتصادية تهدف إلى تهدئة الرأي العام مؤقتاً؟ الإجابة يحددها المستقبل لكنها لن تكون إيجابية إذا لم تُجسد الحكومة اليمنية الإرادة السياسية والاقتصادية الكاملة لإنقاذ الريال من الانهيار المزمن.
الريال اليمني لا يحتاج إلى مسكنات بل إلى عملية إنقاذ كاملة فكل هبوط سريع للعملات الأجنبية وارتفاع مفاجئ للريال لا يُبنى على إجراءات اقتصادية حقيقية لن يدوم بل سيخلق موجة جديدة من الانهيار لاحقًا لأن السوق فقد ثقته بكل ما يصدر عن الجهات الرسمية.
لقد تعب الناس من “الحقن المؤقتة” و”المعالجات الموسمية” وآن الأوان لحكومة تعرف أن الاستقرار النقدي لا يأتي بالأمنيات بل بالإجراءات والمواقف الواضحة والتعامل بشفافية مع المواطن لا بالوعود الفضفاضة والشعارات الخاوية فالزمن لا يرحم الاقتصادات المترنحة والشعوب لا تصبر على الجوع المزمن.
ولأن الأزمة النقدية لا تقف عند حدود الورقة المالية بل تتجاوزها إلى الحياة اليومية والمعيشة الكريمة فإن كل تلاعب بسعر الصرف دون بناء قاعدة اقتصادية متينة هو جريمة موصوفة بحق المواطنين الريال ليس مجرد رقم في شاشة تطبيق صرافة بل هو حياة ملايين اليمنيين ومستقبل وطن بأكمله.