وسط مشهد إنساني متدهور، تدخل شاحنتان تحملان ما يقرب من 107 أطنان من الوقود إلى قطاع غزة، في خطوة وُصفت بالرمزية مقارنة بحجم الأزمة. تأتي هذه الخطوة بعد شهور من القيود التي فرضتها السلطات الإسرائيلية على دخول الوقود والمساعدات، مما أدى إلى توقف العديد من المستشفيات عن العمل وتحذيرات متكررة من انهيار النظام الصحي في القطاع، بحسب ما ذكرته قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية.
ومع استمرار الحرب لأكثر من 22 شهرًا، باتت غزة تواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة. حيث تتجمع الحشود الجائعة على ما تبقى من المساعدات، مخاطرة بحياتها في ظل القصف، أو الوقوع ضحية نهب المساعدات من قبل عصابات مسلّحة، أو توزيع غير عادل لم يضمن وصول الغذاء لمن هم في أمسّ الحاجة إليه.
وزارة الصحة في قطاع غزة كانت قد حذّرت مرارًا من أن نقص الوقود يعيق تشغيل المستشفيات، خاصةً وحدات العناية المركزة وحضّانات الأطفال. وقد تسبب هذا النقص الحاد في تقليص الخدمات الطبية إلى الحد الأدنى، في وقت تتوافد فيه مئات الإصابات والوفيات يوميًا نتيجة القصف الإسرائيلي، بالإضافة إلى ضحايا الاشتباكات التي تقع عند نقاط توزيع المساعدات.
ورغم دخول شاحنتي الوقود مؤخرًا، أكدت منظمات إنسانية أن هذه الكميات “لا تغطي سوى احتياجات قصيرة الأجل”، وسط غياب أي خطة مستدامة لضمان تدفق الوقود والمساعدات بشكل منظم وآمن.
في ظل الضغط الدولي المتزايد، أعلنت إسرائيل عن وقف جزئي للقصف، ما سمح باستئناف دخول بعض المساعدات. لكن التقارير الميدانية تؤكد أن هذه المساعدات تصل بكميات ضئيلة، وسط فوضى وغياب التنظيم. مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية وثّقوا يوميًا مشاهد مأساوية لأشخاص يائسين يندفعون نحو شاحنات الغذاء أو الإنزالات الجوية للمساعدات.
في مشهد مؤلم بمنطقة الزوايدة، اندفع العشرات من المواطنين عند سقوط مساعدات من طائرة، وتدافعوا لتمزيق الطرود وسط سحابة من الغبار. يقول أحد المواطنين: «دفع الجوع الناس إلى التناحر. الناس يتقاتلون بالسكاكين للحصول على كيس دقيق».
وتجنّبًا للمواجهات، طُلب من سائقي برنامج الأغذية العالمي التوقف عن التوزيع وترك المساعدات على الأرض، لكن ذلك لم يمنع حدوث إصابات ووفيات نتيجة التدافع.
منذ 27 مايو، قُتل ما لا يقل عن 1400 فلسطيني أثناء انتظارهم للمساعدات، معظمهم بنيران الجيش الإسرائيلي، بحسب الأمم المتحدة. فيما تنفي إسرائيل استهدافها للمدنيين، مشيرة إلى استخدام “طلقات تحذيرية” عند اقتراب الحشود من مواقع القوات.
وفي رواية أخرى، يتحدث محمد أبو طه عن تجربته أثناء التوجه فجراً إلى نقطة توزيع قرب رفح، قائلاً: «الآلاف كانوا بانتظار كيس دقيق أو أرز. فجأة سمعنا طلقات نارية، وبدأ الناس يركضون ويتدافعون، سقط كثيرون، وامتزجت الدماء بالطين».
تشير تقارير من منظمات إنسانية وخبراء دوليين إلى أن عصابات إجرامية تسيطر على جزء كبير من المساعدات، حيث يتم نهب القوافل أو الهجوم على المستودعات وإعادة بيع الغذاء في السوق السوداء بأسعار باهظة. وصل سعر كيس الدقيق (25 كجم) إلى 400 دولار في بعض مناطق القطاع.
ويتهم مسؤولون في الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي بغض الطرف عن هذه العصابات، بل والتعاون مع مجموعات مسلحة مثل “القوات الشعبية” بقيادة ياسر أبو شباب، والتي يُقال إنها مسؤولة عن نهب شاحنات المساعدات في مناطق الجنوب.
اتهمت إسرائيل حركة «حماس» بسرقة المساعدات الإنسانية، وقال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن الحركة تطلق النار على الفلسطينيين وتستولي على الإغاثة. في المقابل، أكدت مصادر من داخل المنظمات الدولية أن الحركة أصبحت ضعيفة ومجزأة، ولا تسيطر فعليًا على الأرض، وأن الانفلات الأمني هو نتيجة لفراغ السلطة وتفكك الأجهزة الأمنية.
وتضيف بشرى الخالدي، مديرة السياسات في منظمة «أوكسفام»، أن الدعوات المتكررة للسلطات الإسرائيلية لتأمين القوافل ومواقع التخزين “قوبلت بتجاهل واسع النطاق”.
في الوقت الذي أعلنت فيه إسرائيل والولايات المتحدة دعم «مؤسسة غزة الإنسانية» لتكون الجهة الرئيسية لتوزيع المساعدات، رفضت المنظمات الدولية العمل معها، معتبرة أن مراكزها لا تخضع للمعايير الإنسانية، ووصفتها الأمم المتحدة بـ”مصايد الموت”، إذ لا تدير سوى 4 نقاط توزيع لخدمة أكثر من مليوني نسمة.
في ظل هذه الفوضى، يتحول الجوع إلى سلاح، وتصبح المساعدات موردًا للقتل أو الثروة غير المشروعة. ومع غياب خطة دولية واضحة، يبقى الشعب الفلسطيني في غزة عالقًا بين نيران الحرب وسكاكين الجوع، يصارع للبقاء على قيد الحياة وسط تجاهل دولي شبه تام.
