حين تكتب المرأة عن الألم، فإنها تكتب بلحمها الحي.
فكيف إذا كانت هذه المرأة من رموز الدعوة الإسلامية، وخاضت تجربة الاعتقال السياسي والتعذيب الجسدي والنفسي في زنزانات السلطة القمعية؟
في كتابها “أيام من حياتي”، تفتح الداعية زينب الغزالي أبواب السجن، ليس فقط لتروي ما جرى، بل لتضعنا أمام اختبار الضمير، بين صلابة الإيمان ووحشية الطغيان.
عن المؤلفة: زينب الغزالي.. الصوت النسائي الأقوى في تاريخ الحركات الإسلامية
ولدت زينب محمد الغزالي عام 1917، ونشأت في بيت متدين في مصر. أسست “جمعية السيدات المسلمات” عام 1936، والتي صارت أقوى كيان نسائي دعوي في العالم الإسلامي آنذاك. انضمت لاحقاً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان لها دور بارز في تعبئة النساء للدعوة والعمل الخيري والاجتماعي والسياسي. بعد الصدام الكبير بين الإخوان ونظام جمال عبد الناصر، اعتُقلت زينب الغزالي عام 1965 وتعرضت لتعذيب مروع. وبعد الإفراج عنها، كتبت هذا الكتاب شهادة على العصر.
عن الكتاب: وثيقة دامغة على تعذيب النساء في السجون السياسية
“أيام من حياتي” ليس مجرد مذكرات، بل وثيقة سردية مكتوبة بأسلوب روحي عميق. تتنقل زينب الغزالي بين محطات من حياتها داخل السجن، حيث عايشت الإهانة، والتجويع، والعطش، والسحل، ومحاولات الاغتصاب، والكلاب المسعورة، لكنها واجهت ذلك كله بثبات وإيمان مذهل.
الكتاب يكشف كيف أن السلطة لا تميز بين رجل وامرأة حين تُقرِّر سحق الكرامة، لكنه يكشف أيضاً كيف يُمكن للإيمان أن يمنح المرء قوة تفوق التعذيب.
أهم المحاور والفصول:
1- ليلة الاعتقال: حيث داهمتها أجهزة الأمن ونُقلت إلى سجن القناطر.
2- التحقيقات والتعذيب: تحكي تفاصيل الاستجوابات الطويلة ومحاولات النيل من كرامتها.
3- الزنزانة والمناجاة: تأملات روحية في قسوة الوحدة، واستدعاء أسماء الله الحسنى في وجه الظلم.
4- الكلاب المسعورة: مشهد مروع تحكي فيه كيف أُطلقت عليها الكلاب لتنهش جسدها، لكنها نجت بمعجزة.
5- رؤى وأحلام: تحكي عن رؤى منامية كانت تفسرها كعلامات من الله.
6- اللقاء بالأخوات: مشاهد تواصلها مع باقي المعتقلات من النساء المناضلات.
7- الحرية: تحكي عن لحظة الإفراج، وما تبعها من تأملات في معنى الحرية والإيمان.
أبرز المقولات من الكتاب:
“الإيمان أقوى من السياط، وأشد من جيوش الظلم.”
“كنت وحدي في الزنزانة، لكن كان معي ربي.. وكان يكفيني.”
“كل لحظة في السجن كانت امتحانًا، وكان قلبي يردد: اللهم اجعلني من الصابرين.”
“حين يعجز الجلاد عن كسر المرأة، يعرف أن مشروعه فاشل.”
البُعد السياسي والفكري للكتاب:
لا يمكن قراءة “أيام من حياتي” بمعزل عن السياق السياسي في مصر منتصف القرن العشرين. فقد شهدت تلك المرحلة صراعاً مفتوحاً بين الإسلاميين ونظام عبد الناصر، الذي قرر اجتثاث جماعة الإخوان المسلمين عبر المحاكمات العسكرية والتعذيب في السجون. كتاب الغزالي يكشف كيف استخدم النظام الأمني أدواته بلا رحمة، بما فيها تعذيب النساء، وهو ما كان يُعد محرّماً عرفياً في المجتمعات العربية.
الكتاب أيضاً وثيقة فكرية عن ثبات العقيدة، وحضور الإسلام في معترك السجون، ويعكس كيف أن المرأة المسلمة يمكن أن تكون رمزاً للمقاومة لا يقل صلابة عن الرجال.
“أيام من حياتي” ليست فقط سيرة ذاتية، بل صرخة في وجه الظلم، وشهادة على أن العقيدة قد تصمد في وجه التعذيب، وأن الإيمان إن تغلغل في النفس، قد يجعل الزنزانة منارة. كتاب زينب الغزالي سيبقى مصدر إلهام لكل من يسير في طريق الحرية، وللنساء اللائي لم يعدن مستضعفات، بل شريكات في مقاومة الاستبداد، وكتابة التاريخ.