في خطوة جديدة تُنذر بتصعيد سياسي ودستوري، أعلن محمد تكالة، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، رفضه القاطع لقرار مجلس النواب القاضي بتفعيل المحكمة الدستورية العليا التي أُنشئت بموجب قانون مثير للجدل عام 2023، واعتبرها “معدومة الأثر قانونياً”.
تكالة يرفض أداء اليمين
وجاء موقف تكالة، الإثنين 4 أغسطس، تعليقاً على أداء عدد من المستشارين الجدد اليمين القانونية أمام النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، ضمن إجراءات تفعيل المحكمة الدستورية التي تم نقل مقرها إلى مدينة بنغازي بدلاً من العاصمة طرابلس.
وقد وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة هذا الإجراء بـ”الباطل قانونياً”، مؤكداً أن “محكمة القضاء الأعلى كانت قد أصدرت حكماً نهائياً بعدم دستورية القانون رقم 6 لسنة 2023، وبالتالي فإن جميع الآثار المترتبة عليه تعتبر لاغية”.
خلافات مؤسساتية وتنازع على الشرعية
تكالة اعتبر أن إنشاء هيئة قضائية موازية يشكل “تعدياً جسيماً على السلطة القضائية”، ويحمل مخاطر تهدد وحدة مؤسسات الدولة، وقد تقود البلاد إلى “الفوضى الدستورية”. كما أشار إلى أن هذه الخطوة تُخالف مبدأ التوافق الوطني وتُعرقل المسار نحو إجراء الانتخابات.
هذا التصعيد يعكس بوضوح حجم الانقسام السياسي بين غرب ليبيا وشرقها، ويزيد من تعقيد الوضع المؤسسي في البلاد. فبينما يدفع مجلس النواب في طبرق لتكريس المحكمة الجديدة ببنغازي كمرجعية دستورية، تتمسك طرابلس بشرعية الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا في العاصمة.
خلفيات الخلاف: تكالة والمشري
المشهد السياسي الليبي لم يخلُ أيضاً من نزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة نفسه، إذ ما زال هناك خلاف قائم بين تكالة وخالد المشري، الرئيس السابق للمجلس، ما ألقى بظلاله على المشهد المؤسسي، خاصة في ظل انحياز بعثة الأمم المتحدة إلى تكالة، ودعمها لنتائج الجلسة التي أفضت إلى انتخابه.
ويرى مراقبون أن تكالة يُعد أقرب إلى سلطة طرابلس، وتحديداً إلى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في حين كان المشري يميل في الفترة الأخيرة إلى التنسيق مع البرلمان في الشرق، في إطار محاولات تشكيل حكومة جديدة بديلة.
السياق الدستوري والجدل حول المحكمة
يعود الجدل إلى ديسمبر 2022، حين أقر مجلس النواب قانوناً بإنشاء محكمة دستورية عليا في بنغازي، كبديل للدائرة الدستورية في المحكمة العليا بطرابلس. وفي يونيو 2023، تم التصويت على تعيين رئيس وأعضاء المحكمة الجديدة، لكن لم يتم تفعيلها فعلياً إلا في سبتمبر 2024، مما فجّر سلسلة من الاعتراضات من جانب السلطة القضائية في طرابلس، والمجلس الرئاسي، الذي رأى في القرار “تغييراً للنظام القضائي السائد”.
لقاء تكالة واللافي: دعوات للتنسيق
وفي ظل هذا التوتر، استقبل محمد تكالة في طرابلس النائب بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي، حيث ناقشا حالة الجمود السياسي وأكدا على أهمية التنسيق بين المجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي لكسر حالة الانسداد السياسي وفتح آفاق جديدة للحوار.
وأكد الجانبان على “ضرورة توحيد الجهود وتعزيز التعاون المؤسسي بين مختلف السلطات، بما يدعم المسار السياسي ويحقق تطلعات الليبيين نحو الاستقرار واستكمال الاستحقاقات الوطنية”.
مستقبل غامض للمسار الدستوري
رغم محاولات تهدئة المشهد عبر اللقاءات السياسية، إلا أن المؤشرات تُظهر تصاعداً في حدة الخلافات المؤسسية، خصوصاً مع استمرار التنازع بين شرق البلاد وغربها حول شرعية المؤسسات القضائية، وتمسك كل طرف بمسار مختلف لإدارة المرحلة الانتقالية.
وفي ظل غياب توافق على قاعدة دستورية واضحة، تُهدد هذه الانقسامات مجدداً فرص إجراء انتخابات وطنية شاملة طال انتظارها، كما تعيد ليبيا إلى مربع التجاذب الدستوري الذي أعاق كل محاولات التسوية خلال السنوات الماضية.
