الكتاب: الحرب والقرار – من داخل البنتاجون تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب
المؤلف: دوغلاس ج. فايث
في كتابه الضخم “الحرب والقرار: من داخل البنتاغون تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب”، يكشف دوغلاس ج. فايث، أحد أبرز مهندسي السياسة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر، كواليس الغرف المغلقة في وزارة الدفاع الأمريكية، حيث وُلدت أكبر القرارات التي غيّرت وجه العالم. من العراق إلى أفغانستان، ومن الشك إلى القصف، يقدّم الكتاب شهادة من قلب واشنطن، لا يرويها محلل أو مؤرخ، بل رجل كان هناك حين انفجرت الملفات، وتحولت المكاتب إلى ساحات حرب فكرية وعسكرية.
مؤلف من داخل اللعبة
دوغلاس فايث لم يكن مراقبًا أو صحافيًا، بل كان وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السياسات، وكان صوته مسموعًا في الاجتماعات التي خططت لغزو العراق وتغيير خارطة الشرق الأوسط. يميل الكتاب إلى الدفاع عن سياسات بوش الابن، لكنه لا يخلو من النقد الذاتي والكشف عن التخبط داخل الإدارة الأمريكية.
مضمون الكتاب: كيف صيغت الحرب على الإرهاب؟
في أكثر من 600 صفحة، يقودنا فايث عبر شبكة معقدة من القرارات والتقارير والصراعات الداخلية بين أركان الإدارة الأمريكية. ينقسم الكتاب إلى محاور رئيسية:
الصدمة والتحرك: كيف تفاعلت واشنطن مع هجمات 11 سبتمبر، وكيف تحوّل الحزن إلى استراتيجية هجومية.
أفغانستان أولًا… والعراق قادم: مناقشة خطط ضرب “القاعدة” وطالبان، ثم التحوّل إلى إسقاط نظام صدام حسين رغم غياب رابط مباشر بالهجمات.
المخابرات والصدامات الداخلية: توتر العلاقات بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، والخلاف مع وزارة الخارجية بقيادة كولن باول.
خطة ما بعد الحرب: كيف فشلت أمريكا في إدارة العراق، رغم توقعات النجاح، وفوضى حل الجيش وتفكيك مؤسسات الدولة.
المبادئ والقوة: النقاش الدائم داخل الإدارة: هل نصدر الديمقراطية بالقوة؟ وهل يكفي إسقاط النظام لتحقيق الحرية؟
أهم المقولات:
“لم تكن المشكلة في الحرب، بل في غياب الخطة لما بعد الحرب.”
“العديد من صُنّاع القرار كانوا يديرون معارك شخصية، أكثر مما كانوا يحاربون الإرهاب.”
“غابت الشفافية، واختلطت الأيديولوجيا بالحقائق، فكانت النتيجة فوضى في السياسة والميدان.”
أهمية الكتاب:
لا يمكن فهم القرن الحادي والعشرين دون المرور على هذا الكتاب. إنه وثيقة سياسية وعسكرية نادرة من داخل البنتاغون، تشرح كيف يُبنى القرار داخل أروقة السلطة الأمريكية، ليس وفقًا للحقائق فقط، بل للأهواء، والمصالح، والضغط الإعلامي والسياسي.
هو أيضًا مرجع مهم لأي باحث في العلاقات الدولية، أو صحفي يلاحق جذور الحروب التي اشتعلت في منطقتنا، وتداعياتها المستمرة حتى اليوم.
نقد وتحفظات:
رغم قيمة الشهادة، إلا أن فايث كثيرًا ما يسعى لتبرئة نفسه، أو تحميل المسؤولية للآخرين داخل الإدارة. كما أن الكتاب مشبع بروح التفوق الأمريكي، ويميل إلى تبرير استخدام القوة باعتبارها وسيلة لبث “القيم الغربية”.
“الحرب والقرار” ليس مجرد عنوان، بل وصف دقيق لمسارٍ اتخذته أمريكا بعد أن اهتزت أبراجها، فقررت أن ترد عبر البحار. بين التخطيط والخوف، بين الأمل في التغيير وسوء التنفيذ، يقدّم لنا فايث صورةً صادمة لآلية اتخاذ القرار في أقوى دولة في العالم، حيث تُرسم خرائط الدم بمزيج من العقل، والانفعال، والمصالح.