في ظل تصاعد التوترات الأمنية على طول الحدود الباكستانية–الأفغانية، جاءت العملية الأخيرة في منطقة سامبازا بإقليم بلوشستان لتشكل واحدة من أكبر الضربات الموجهة ضد الجماعات المسلحة خلال الأشهر الأخيرة.
هذه المنطقة الجبلية الوعرة تُعد من أبرز ممرات التسلل التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، ما يجعلها نقطة اشتعال دائمة بين القوات الباكستانية والمسلحين القادمين من الجانب الأفغاني.
وبحسب بيان الجيش الباكستاني، فإن قوات الأمن رصدت، فجر الجمعة، تحركات مجموعة مسلحة حاولت العبور من داخل الأراضي الأفغانية، قبل أن تبدأ اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل 33 مسلحاً، والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات.
الجيش أشار إلى أن هؤلاء المسلحين ينتمون إلى حركة طالبان باكستان التي تصفها إسلام آباد بـ”الخوارج”، لافتاً إلى أن لديهم “دعماً خارجياً” لم يحدد تفاصيله بشكل قاطع.
الخبير الأمني الباكستاني العميد المتقاعد محمود شاه يرى أن العملية تمثل “رسالة ردع واضحة” لأي مجموعات تحاول اختبار قدرة الجيش على حماية الحدود، موضحاً أن الطبيعة الجغرافية لسامبازا تجعلها تحدياً أمنياً مستمراً،
وأن “التعامل الاستباقي” مع هذه المحاولات يقلل من فرص وقوع هجمات داخل العمق الباكستاني بحسب ( Tribune)
من جانبه، أشاد رئيس الوزراء شهباز شريف بما وصفه بـ”النجاح البارز” للقوات المسلحة، مؤكداً أن الدولة لن تتهاون في حماية أمنها القومي، وأن حربها ضد الإرهاب ستستمر حتى اجتثاث جذوره (المصدر: Masrawy).
وفي خطوة موازية، أعلنت سلطات بلوشستان تعليق خدمات الإنترنت عبر الهواتف حتى نهاية أغسطس، تحسباً لأي نشاط مسلح قبل احتفالات يوم الاستقلال (المصدر: AP).
الخبير في شؤون جنوب آسيا، إحسان الله تيكور، اعتبر أن العملية تأتي في سياق “تصاعد الاشتباكات الحدودية منذ سيطرة طالبان على كابول”، مشيراً إلى أن غياب التعاون الأمني الفعّال بين باكستان وأفغانستان يزيد من فرص تكرار مثل هذه الحوادث، ويجعل من الحدود خط مواجهة دائم ( وفق عرب نيوز ).
وتشير هذه المواجهة إلى استمرار النمط التصعيدي، إذ سبق للجيش الباكستاني في أبريل الماضي أن قتل 54 مسلحاً في شمال وزيرستان خلال محاولة تسلل مشابهة، ما يعكس أن الصراع على الحدود لا يهدأ، وأنه مرشح لمزيد من التصعيد ما لم تُعالج أسبابه الجذرية عبر حلول سياسية وأمنية مشتركة.
ردود الفعل الدولية
دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى “الحد من تسلل المسلحين” من الأراضي الأفغانية، معربين عن قلقهم من تكرار مثل هذه العمليات التي تهدد المدنيين وتزيد من تأجيج الصراعات الحدودية .
كما شددت الأمم المتحدة على ضرورة أن تتحكم سلطات كابول في أراضيها، منعًا لاستخدامها كملاذ آمن للجماعات المسلحة، مشددة على ضرورة احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها .
يأتي هذا التصعيد ضمن سلسلة من المواجهات الحدودية. ففي أبريل 2025، أحبط الجيش محاولة تسلل أخرى في شمال وزيرستان، أسفرت عن مقتل 54 مسلحًا خلال أيام قليلة.
ومن خلال هذه العمليات، يؤكد الجيش الباكستاني عزمه على فرض سيطرته على حدود بلاده، وتحجيم نشاط الجماعات المتطرفة عبر التحرك الأمني المباشر.
استناداً إلى مسار الأحداث الأخيرة وتحليلات الخبراء، تبدو التوقعات المرتبطة بالعملية التي أسفرت عن مقتل 33 مسلحاً على الحدود الباكستانية–الأفغانية كالتالي:
1. تصعيد أمني على المدى القريب
من المرجح أن تشهد المناطق الحدودية، خصوصاً في بلوشستان وشمال وزيرستان، مزيداً من العمليات الأمنية والاشتباكات. الخبير الأمني العميد المتقاعد محمود شاه يرى أن “النجاح الأخير سيجعل الجماعات المسلحة أكثر حذراً، لكنه قد يدفعها أيضاً لتكثيف الهجمات الانتقامية، خصوصاً في مناطق حضرية أو ضد مواقع عسكرية محددة”.
2. تأثير على العلاقات الباكستانية–الأفغانية
الخبير في شؤون جنوب آسيا إحسان الله تيكور يتوقع أن تزيد هذه العملية من حدة التوتر بين إسلام آباد وكابول، خاصة مع اتهام الجيش الباكستاني بأن المسلحين ينطلقون من الأراضي الأفغانية. في حال عدم وجود تعاون أمني فعّال، قد يتجه الأمر نحو فرض إجراءات حدودية أشد، مثل الإغلاق الجزئي أو تشديد الرقابة على المعابر الرسمية.
3. ضغط دولي على طالبان أفغانستان
من المتوقع أن تزداد الضغوط الدولية على سلطات كابول لضبط حدودها ومنع الجماعات المتطرفة من استخدام الأراضي الأفغانية كملاذ آمن. الأمم المتحدة قد تدعو لعقد اجتماعات أمنية إقليمية لمناقشة آليات الحد من تسلل المسلحين، وهو ما قد يضع طالبان أمام اختبار سياسي وأمني حساس.
4. انعكاسات داخلية في باكستان
داخلياً، قد تستغل الحكومة هذا النجاح الأمني لتعزيز صورتها قبيل المناسبات الوطنية مثل يوم الاستقلال، وقد تستمر في إجراءات استثنائية مثل حجب الإنترنت في المناطق المضطربة حتى استقرار الوضع الأمني. غير أن استمرار هذه الإجراءات لفترة طويلة قد يثير انتقادات من المعارضة ومنظمات الحقوق المدنية.
5. إمكانية تحول المواجهة إلى صراع حدودي مستمر
إذا استمرت محاولات التسلل بوتيرتها الحالية، فإن الحدود الباكستانية–الأفغانية قد تتحول إلى ساحة مواجهة شبه يومية، ما يزيد من مخاطر الانزلاق إلى صراع مفتوح يعرقل التجارة الإقليمية ويهدد الاستقرار في جنوب آسيا.