شهدت مدينة الحسكة انعقاد مؤتمر واسع ضم ممثلين عن قوى سياسية ومجتمعية من شمال وشرق سوريا، إضافة إلى شخصيات مستقلة وممثلين عن منظمات المجتمع المدني. جاء المؤتمر في ظل واقع سياسي وأمني متوتر، بهدف بلورة رؤية مشتركة حول مستقبل الإدارة الذاتية في سوريا والدستور الجديد، مع التأكيد على مبادئ المساواة، التعددية، وحقوق المرأة.
خلال الجلسات، شدد المشاركون على أن أي دستور سوري جديد يجب أن يضمن حقوق المرأة ويكرس مبدأ التعددية، بحيث يتيح تمثيلًا حقيقيًا لكافة المكونات القومية والدينية. وحذر المشاركون من أن تجاهل هذه المكونات سيؤدي إلى مزيد من الانقسام والاحتقان، مؤكدين أن اللامركزية تمثل الإطار الأمثل لضمان المشاركة العادلة في السلطة وتوزيع الموارد.
اختُتم المؤتمر ببيان شامل تضمن عدة نقاط رئيسية، أبرزها:
رفض الإعلان الدستوري الحالي لعدم توافقه مع تطلعات الشعب السوري بمختلف مكوناته.
الدعوة إلى نظام لامركزي يضمن المساواة، حرية المعتقد، والحقوق الثقافية لجميع المكونات.
إدانة التغيير الديمغرافي والمطالبة بعودة آمنة وكريمة للمهجرين إلى مناطقهم.
تقدير دور قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باعتبارها “جيشًا وطنيًا” يحمي سيادة البلاد ووحدة أراضيها.
المطالبة بتحقيق حيادي وشفاف في الانتهاكات التي شهدتها مناطق الساحل والسويداء مؤخرًا.
ردود الفعل المحلية والإقليمية
أثار المؤتمر تباينًا في المواقف بين الأطراف المحلية والإقليمية:
الحكومة السورية وصفت المؤتمر بأنه “تصعيد خطير” يعرقل مفاوضات باريس الجارية، وأكدت رفضها لأي شكل من أشكال الفيدرالية أو اللامركزية دون توافق وطني شامل.
تركيا اتهمت قوات سوريا الديمقراطية بخرق اتفاق 10 مارس، محذرة من محاولات ربط مناطق السويداء بمناطق الإدارة الذاتية كجزء من “أجندة إسرائيلية” تستهدف وحدة الأراضي السورية.
المجلس الوطني الكردي وعدد من العشائر العربية رفضوا المشاركة في المؤتمر، معتبرين أنه يخدم أجندات سياسية ضيقة لصالح قسد، ولا يمثل كافة المكونات بشكل متوازن.
انعقد المؤتمر وسط تصاعد التوترات في منبج وحلب، ما يعقد تنفيذ اتفاق التهدئة المبرم مؤخرًا بين الأطراف المتنازعة. كما أن المطالب المطروحة بدمج قوات سوريا الديمقراطية ضمن مؤسسات الدولة السورية ما زالت محل خلاف واسع، في ظل رفض دمشق القاطع لذلك قبل التوصل إلى تسوية شاملة. يواجه المؤتمر تحديات إضافية نتيجة الرفض التركي العلني لمبدأ اللامركزية، واعتباره تهديدًا مباشرًا لأمنه القومي، خاصة في المناطق الحدودية.
ورغم هذه العقبات، يرى المشاركون أن المؤتمر يمثل خطوة مهمة لتعزيز نموذج الإدارة الذاتية كبديل سياسي قابل للنقاش على المستوى الوطني والدولي، مع السعي لتقديمه كخيار عملي لضمان استقرار مناطق شمال وشرق سوريا.
مؤتمر الحسكة جاء كمحاولة طموحة لصياغة رؤية مشتركة لمستقبل سوريا تقوم على اللامركزية، التعددية، والمساواة، مع السعي لتأمين ضمانات لحقوق جميع المكونات. نجاح هذه المبادرة يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الأطراف المختلفة على إدارة الحوار بمرونة، والانفتاح على التفاهمات الدولية، والتوصل إلى صيغة توافقية مع دمشق، بما يحفظ وحدة البلاد ويمنع مزيدًا من الانقسامات. وفي ظل المشهد السياسي والميداني المعقد، يبقى المؤتمر خطوة في مسار طويل يتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا لضمان تحوله إلى واقع ملموس.