في مشهد يعكس تصاعد الغضب الشعبي داخل إسرائيل، خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع تل أبيب مساء السبت للمطالبة بإنهاء الحرب في غزة، وذلك بعد يوم من إعلان الحكومة عزمها توسيع العمليات العسكرية والسيطرة على مدينة غزة، في خطوة أثارت جدلاً داخليًا واهتمامًا واسعًا على الساحة الدولية.
شهدت شوارع تل أبيب مساء السبت توافد آلاف المتظاهرين في واحدة من أكبر موجات الاحتجاج الشعبي منذ اندلاع الحرب في غزة، حيث رفع المحتجون شعارات تدعو إلى وقف فوري للعمليات العسكرية، وإنهاء الحرب، وإيجاد تسوية سياسية شاملة.
انطلقت المسيرات من ساحة “هابيما” واتجهت نحو مقر وزارة الدفاع، وسط إجراءات أمنية مشددة ووجود كثيف لقوات الشرطة. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: “أعيدوا الجنود إلى منازلهم” و”السلام هو الأمن الحقيقي”،
مرددين هتافات تنتقد السياسات الحكومية وتتهم القيادة بتعريض حياة المدنيين في الجانبين للخطر.
يأتي هذا التحرك بعد يوم واحد من تصريحات رسمية أكدت فيها الحكومة الإسرائيلية نيتها توسيع رقعة العمليات العسكرية في قطاع غزة، بما في ذلك التقدم للسيطرة على مدينة غزة، وهو ما أثار موجة غضب بين معارضي الحرب الذين يرون أن استمرار التصعيد لن يؤدي إلا لمزيد من الخسائر البشرية والدمار.
عدد من قادة المعارضة الإسرائيلية، إضافة إلى شخصيات أكاديمية وفنية بارزة، شاركوا في المسيرات، مطالبين بوقف القتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، مع التشديد على ضرورة تبني حلول دبلوماسية بدلاً من الحسم العسكري.
وفي المقابل، عززت الشرطة الإسرائيلية انتشارها في محيط موقع التظاهر، وأغلقت بعض الشوارع الرئيسية، فيما أبلغت عن وقوع احتكاكات محدودة مع مجموعات مؤيدة للحكومة، دون تسجيل إصابات كبيرة.
هذا الحراك الشعبي يعكس تزايد الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن الحرب المستمرة في غزة، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على تل أبيب لوقف التصعيد وتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع.
الإعلام العبري
تناولت وسائل الإعلام العبرية، مساء السبت، الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها تل أبيب ضد استمرار الحرب في غزة، بأسلوب يعكس الانقسام في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي بين قنوات مؤيدة للنهج الحكومي وأخرى تنتقده.
القنوات الحكومية والمقربة من الائتلاف
وسائل إعلام مثل القناة 14 ركزت على الجانب الأمني للتظاهرات، مشيرة إلى “مخاطر” خروج أعداد كبيرة في وقت تعتبره الحكومة “حساسًا أمنيًا”، وانتقدت ما وصفته بـ”استغلال المعارضة للموقف لإضعاف الجبهة الداخلية”.
وأبرزت تصريحات مسؤولين حكوميين اعتبروا أن “أي دعوات لوقف الحرب الآن تخدم أعداء إسرائيل”.
القنوات المستقلة والمنتقدة للحكومة
على النقيض، أعطت القناة 12 ويديعوت أحرونوت وهآرتس مساحة أوسع لأصوات المتظاهرين، ونشرت صورًا ولافتات حملت شعارات مثل “أعيدوا أبناءنا” و”كفى للحرب”.
وركزت على الجانب الإنساني، معتبرة أن الشارع الإسرائيلي بات أكثر انقسامًا بشأن جدوى استمرار العمليات العسكرية، خصوصًا مع ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجنود
تحليلات وتعليقات
مقالات الرأي في هآرتس حذرت من أن توسيع الحرب والسيطرة على مدينة غزة “سيؤديان إلى كارثة إنسانية وسياسية”، واعتبرت أن استمرار القتال “لن يحقق الأمن على المدى الطويل”.
بعض المحللين العسكريين في القناة 13 أشاروا إلى أن “تجاهل الغضب الشعبي قد يضر بالتماسك الوطني”، ودعوا الحكومة لموازنة الأهداف العسكرية مع الضغوط الداخلية والخارجية.
ردود الأفعال الدولية على احتجاجات تل أبيب ضد الحرب في غزة
أثارت المظاهرات الحاشدة في تل أبيب، السبت، اهتمامًا واسعًا على الساحة الدولية، حيث صدرت مواقف متباينة من عواصم ومنظمات حول العالم، عكست الانقسام في الموقف من الحرب الإسرائيلية على غزة.
الولايات المتحدة
وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت بيانًا مقتضبًا قالت فيه إنها “تتابع باهتمام” الاحتجاجات في إسرائيل، وأكدت دعمها لـ”حق الإسرائيليين في التظاهر السلمي”، مع تجديد التأكيد على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، لكنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة اتخاذ خطوات “لخفض التصعيد وحماية المدنيين”.
الاتحاد الأوروبي
الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، رحّب بـ”الأصوات الإسرائيلية التي تطالب بالسلام”، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى “الاستماع لمواطنيها والنظر بجدية في البدائل السياسية”، مع التحذير من أن أي توسع عسكري في غزة “سيفاقم الأزمة الإنسانية”.
الأمم المتحدة
المتحدث باسم الأمين العام أنطونيو غوتيريش عبّر عن قلقه إزاء التصريحات الحكومية الأخيرة حول السيطرة على مدينة غزة، وأشاد بـ”المجتمع المدني الإسرائيلي الذي يرفع صوته من أجل إنهاء العنف”، مجددًا الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة للمفاوضات.
الدول العربية
الأردن اعتبرت المظاهرات “مؤشرًا على تزايد رفض الحرب حتى داخل المجتمع الإسرائيلي”، وجددت دعوتها إلى تحرك دولي لوقف العمليات.
مصر شددت على أن “الأصوات العاقلة في إسرائيل يجب أن تلقى آذانًا صاغية”، مؤكدة أن أي حل عسكري سيظل “قصير المدى وغير مستدام”.
منظمات حقوقية
منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” أصدرتا بيانات تشيد بـ”شجاعة المتظاهرين في تل أبيب”، وتدعو الحكومة الإسرائيلية إلى “الإنصات لمطالب شعبها” ووقف الهجمات على المدنيين في غزة.
هذه المواقف الدولية، رغم اختلاف نبرتها، أظهرت أن احتجاجات تل أبيب باتت عنصرًا مؤثرًا في النقاش العالمي حول الحرب، وضغطًا إضافيًا على الحكومة الإسرائيلية في الساحة الدبلوماسية.