في تصعيد جديد للأزمة المستمرة في غزة، حذرت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من تداعيات “كارثية” لقرار الحكومة الإسرائيلية توسيع عملياتها العسكرية والسيطرة الكاملة على مدينة غزة، وسط مخاوف من أن يقود ذلك إلى فصل مروع آخر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وجاء التحذير خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن، حيث عرض مسؤولون أمميون وحقوقيون تقارير تفصيلية عن الخطة الإسرائيلية، التي تشمل إخلاء مئات الآلاف من المدنيين وفرض حصار طويل الأمد، في خطوة وصفت بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وتهديد للاستقرار الإقليمي.
عقد مجلس الأمن الدولي، في العاشر من أغسطس 2025، اجتماعًا طارئًا لمناقشة التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القرار الإسرائيلي بتوسيع العمليات العسكرية في قطاع غزة والسيطرة الكاملة على مدينة غزة.
الاجتماع جاء وسط أجواء مشحونة وتحذيرات أممية ودولية من أن الخطوة الإسرائيلية تمثل تصعيدًا خطيرًا قد يفتح الباب أمام “فصل مروع آخر” من الصراع، على حد تعبير الأمم المتحدة.
الموقف الرسمي للأمم المتحدة
ميروسلاف ينتشا، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أوروبا في إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، قدّم إحاطة مفصلة أمام مجلس الأمن، أشار فيها إلى تقارير إسرائيلية تفيد بأن الحكومة أقرت خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المعروفة بـ”هزيمة حماس”، والتي تضمنت خمسة مبادئ أساسية لإنهاء الحرب:
1. نزع سلاح حماس.
2. الإفراج عن جميع الرهائن.
3. تجريد قطاع غزة من السلاح.
4. فرض سيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع.
5. إنشاء إدارة مدنية بديلة، ليست تابعة لحماس أو للسلطة الفلسطينية.
وأوضح ينتشا أن الخطة الإسرائيلية تتوقع إخلاء مدينة غزة بالكامل من المدنيين بحلول 7 أكتوبر 2025، وهو ما سيؤثر على نحو 800 ألف شخص، كثير منهم نزحوا في السابق.
ووفقًا للتقارير، فإن القوات الإسرائيلية ستفرض حصارًا على المدينة لمدة ثلاثة أشهر، يتبعها شهران إضافيان للسيطرة على مخيمات وسط غزة وتطهيرها من الجماعات المسلحة.
ينتشا حذّر بوضوح من أن “تنفيذ هذه الخطط قد يقود إلى كارثة إنسانية أخرى في غزة، وستكون تداعياتها إقليمية، مع مزيد من التهجير القسري وسقوط الضحايا ودمار البنية التحتية”.
كما أكد أن الأمم المتحدة ترى أن الحل الوحيد هو وقف كامل وفوري ودائم لإطلاق النار، وإطلاق جميع الرهائن دون شروط، واحترام القانون الدولي الإنساني وضمان وصول المساعدات دون عوائق.
التحذيرات الإنسانية والحقوقية
راميش راجاسينغهام، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف، وصف المعاناة التي شهدها الفلسطينيون والإسرائيليون على مدار 22 شهرًا بأنها “مؤلمة للروح”.
مشيرًا إلى أن النزاع تسبب في “معاناة لا يمكن تصورها”. واستشهد ببيانات وزارة الصحة في غزة التي توثق مقتل أكثر من 61 ألف شخص، بينهم 18 ألف طفل، وإصابة 151 ألف آخرين منذ اندلاع الحرب.
كما أبدى راجاسينغهام قلقًا بالغًا من إمكانية امتداد آثار الخطة الإسرائيلية إلى الضفة الغربية، حيث يتواصل العنف الاستيطاني وعمليات الهدم بوتيرة مقلقة.
وذكّر بقرارات محكمة العدل الدولية التي طالبت إسرائيل بإنهاء “وجودها غير القانوني” في الأراضي الفلسطينية ووقف سياساتها التمييزية.
من جانبهم، شدد خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة على أن “أي عملية عسكرية واسعة النطاق في مناطق مأهولة تمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، خاصة إذا كانت تتضمن حصارًا يؤدي إلى حرمان المدنيين من الغذاء والماء والدواء”.
ردود الأفعال الدولية
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وصف الخطة الإسرائيلية بأنها “تصعيد خطير” يزيد من المخاطر على ملايين الفلسطينيين، وقد يعرّض حياة الرهائن المتبقين للخطر.
فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان، دعا الحكومة الإسرائيلية إلى “وقف خطتها للسيطرة العسكرية الكاملة على غزة فورًا”، معتبرًا أن استمرار العمليات “سيقوّض أي أفق للسلام”.
الاتحاد الأوروبي أصدر بيانًا عبر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، عبّر فيه عن “القلق البالغ من التداعيات الإنسانية المدمرة”، ودعا إلى “العودة إلى مسار سياسي قائم على حل الدولتين”.
جامعة الدول العربية، في بيان للأمين العام أحمد أبو الغيط، اعتبرت الخطة “خطوة أحادية الجانب تكرس الاحتلال وتشرعن التهجير القسري”، مؤكدة دعمها للتحركات في مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.
منظمات حقوقية دولية، منها “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، طالبت المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف ما وصفته بـ”إجراءات العقاب الجماعي” بحق سكان غزة.
خلاصة المشهد
التقارير الأممية والحقوقية تجتمع على تحذير واحد: أن أي تنفيذ للخطة الإسرائيلية الجديدة سيعمّق المأساة الإنسانية، ويقوّض فرص الحل السياسي، وقد يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي أوسع.
ومع استمرار الخلافات في مجلس الأمن بين الدول الكبرى، يبقى مصير المدنيين الفلسطينيين في غزة معلقًا بين ضغوط سياسية دولية وواقع ميداني بالغ الخطورة.