تصاعدت مواقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا تجاه الحرب في غزة، مدفوعة بصور الأطفال الجائعين وخطط إسرائيل لتوسيع المستوطنات، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يبدِ أي تراجع.
ففي 23 يوليو، التقى المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في برلين لمناقشة الأزمة.
وأبلغ ماكرون نظيره الألماني أنه تحت ضغط داخلي كبيروفقا تقرير لجريدة “نيويورك تايمز “، وأنه يعتزم على الأرجح الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة أواخر سبتمبر، وهو ما رآه ميرتس إطارًا زمنيًا يمنح الجميع فرصة للتحرك.
لكن في اليوم التالي، وبلا إبلاغ الألمان، أعلن ماكرون قراره علنًا، مؤكدًا أن الاعتراف بفلسطين يعكس التزام فرنسا بالسلام العادل والدائم.

فيما تسارعت وتيرة التحركات الأوروبية منذ 19 يوليو بعد نشر صور مروعة لأطفال يتضورون جوعًا، وبلغت ذروتها في 29 يوليو بإعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر موقفًا مشابهًا.
وقد هذه التحركات مثلت انفصالًا عن إدارة ترامب في قضية استراتيجية كبرى، وجاءت بعد استنتاج أوروبي بأن الانتظار لقيادة أمريكية أو لكبح نتنياهو لم يعد ممكنًا.
وكانت بريطانيا قد أعدّت بهدوء، على مدى ستة أشهر، خطة من ثماني نقاط، صاغها مستشار الأمن القومي جوناثان باول — أحد مهندسي اتفاق الجمعة العظيمة في إيرلندا الشمالية — وبدأ تداولها بين الأوروبيين في 29 يوليو.
وفي اليوم التالي، تبنت 22 دولة عربية إعلانًا في مؤتمر أممي مشترك بين ماكرون والسعوديين، متوافقًا مع أهداف الخطة البريطانية، وشمل لأول مرة مطلبًا من الجامعة العربية بأن تتخلى حماس عن السلطة والسلاح في غزة.
وقد تزامنت هذه الجهود مع غضب عالمي من أعداد القتلى في غزة التي تجاوزت 60 ألفًا منذ 7 أكتوبر 2023، وفق وزارة الصحة في غزة، ومع قناعة أوروبية بأن واشنطن تخلت عن دورها في الدفع نحو السلام أو تقييد العمل العسكري الإسرائيلي.
لكن نتنياهو رفض دعوات أوروبا، ووافق مجلسه الأمني على توسيع الحرب في غزة، مما دفع حتى ميرتس — الداعم التقليدي لإسرائيل — إلى تعليق شحنات الأسلحة التي قد تُستخدم في غزة.
وفي بريطانيا، تغير موقف ستارمر بسرعة بعد إعلان إسرائيل في 18 يوليو توسيع المستوطنات بالضفة الغربية، وما تلاه من نشر صور المجاعة في غزة. تحت ضغط برلماني وشعبي، قرر الاعتراف بفلسطين إذا لم توقف إسرائيل الحرب وتبدأ مسار سلام دائم.
وفي نفس السياق وفي 24 يوليو، أعلن ماكرون قراره برسالة إلى محمود عباس، مؤكدًا ضرورة الإسراع في تطبيق حل الدولتين. فرنسا، كقوة نووية وعضو دائم بمجلس الأمن، رأت في الاعتراف أداة مؤثرة لدعم الدول العربية المعتدلة.
ومن المهم الإشارة إلي أن ألمانيا، بحكم تاريخها النازي وتحالفها الوثيق مع إسرائيل، لم تكن لتعترف بدولة فلسطينية قبل قيامها فعليًا، لكنها شاركت في الجهود الدبلوماسية، وانضمت إلى بيان مشترك مع فرنسا وبريطانيا يطالب بوقف الحرب، وإطلاق الأسرى، ونزع سلاح حماس، وزيادة المساعدات، ووقف ضم الأراضي.
وخلال اتصالات مع نتنياهو وترامب، حاول القادة الأوروبيون دفع إدخال مزيد من المساعدات، وواجه ميرتس إنكارًا من نتنياهو لوجود مجاعة، بينما اعترف ترامب علنًا بخطورة الوضع.
بعد مغادرة ترامب لبريطانيا، أعلن ستارمر رسميًا نيته الاعتراف بفلسطين، ولحقته كندا.
واستغل رئيس الوزراء باول الزخم لإعادة طرح الخطة البريطانية، التي تضمنت: حكومة فلسطينية تكنوقراطية لغزة مرتبطة بسلطة فلسطينية مُصلحة، قوة أمنية دولية، انسحابًا كاملًا لإسرائيل، مراقبة أمريكية لوقف النار، وصولًا إلى دولتين مستقلتين، مع جدول زمني يبدأ بمؤتمر أممي ترعاه فرنسا والسعودية في سبتمبر.