في أعماق المناطق الجبلية الغنية بالذهب في لانتونغ وسكوتونغ، تتكشف ملامح أزمة بيئية واجتماعية متصاعدة، يقف وراءها توسع غير مسبوق لعصابات صينية تمارس التعدين خارج إطار القانون.
تحقيق صحفي موسع يكشف أن هذه العصابات أدخلت إلى المنطقة معدات تعدين صناعية ضخمة، قادرة على استخراج كميات هائلة من الذهب في وقت قصير، معتمدة على مواد كيميائية شديدة الخطورة مثل السيانيد والزئبق في عمليات الفصل والمعالجة.
أضرار بيئية كارثية
التقارير الميدانية وشهادات السكان تؤكد أن المياه في الأنهار والآبار المحلية بدأت تتغير رائحتها ولونها، في إشارة إلى تلوثها بالمواد الكيميائية. خبراء بيئة حذروا من أن السيانيد والزئبق يتركان آثاراً طويلة المدى في التربة والمياه، ما يهدد المحاصيل الزراعية ويعرض حياة الإنسان والحيوان للخطر.
كما تسبب قطع الأشجار وتجريف الأراضي في فقدان مساحات واسعة من الغطاء النباتي، ما سرّع من عمليات التعرية وأضر بالمنظومة البيئية المحلية.
تهجير وتهميش للمنقبين المحليين
المنقبون التقليديون، الذين كانوا يعتمدون على أساليب بدائية وصديقة نسبياً للبيئة، وجدوا أنفسهم عاجزين أمام نفوذ العصابات الأجنبية، حيث أفاد عدد منهم بأنهم تعرضوا للتهديد والمضايقات، وأُجبر بعضهم على مغادرة مناطق التعدين التي ورثوها عن أجدادهم.
أحد المنقبين قال: “لم يعد لدينا مكان نعمل فيه، وإذا حاولنا الاقتراب من مواقع التعدين الكبيرة، نتعرض للطرد أو الاعتقال”.
تواطؤ وصمت رسمي
بعض المنظمات الحقوقية المحلية ألمحت إلى وجود تقاعس أو حتى تواطؤ من بعض المسؤولين، ما سمح لهذه العصابات بالعمل بحرية. غياب الرقابة الصارمة ساعد على تهريب الذهب إلى خارج البلاد عبر قنوات غير مشروعة، ما يحرم الدولة من عائدات ضخمة.
مطالب عاجلة
خبراء البيئة والاقتصاد شددوا على ضرورة: وتنفيذ حملات أمنية عاجلة لوقف أنشطة التعدين غير القانوني. بالإضافة إلى وايضا فرض عقوبات مشددة على الشركات والأفراد المتورطين.
إطلاق مشاريع لإعادة تأهيل المناطق الملوثة والمتضررة.
حماية حقوق المجتمعات المحلية في الاستفادة من ثرواتها الطبيعية.
ويحذر مختصون من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يجعل الضرر البيئي غير قابل للإصلاح، محذرين من أن ما يحدث في لانتونغ وسكوتونغ قد يتحول إلى نموذج قاتم لنهب الموارد على حساب الإنسان والطبيعة.
أرباح بالملايين وخسائر بالمليارات
وفق تقديرات غير رسمية، تستخرج هذه العصابات ما يقارب 2.5 – 3 أطنان من الذهب سنوياً من هاتين المنطقتين فقط، أي ما يعادل قيمته السوقية نحو 180 – 220 مليون دولار أمريكي، يتم تهريب معظمها إلى الخارج عبر شبكات غير شرعية.
في المقابل، تخسر الدولة عائدات ضرائب ورسوم تُقدر بأكثر من 50 مليون دولار سنوياً، فضلاً عن خسائر بيئية وزراعية يصعب تعويضها.
التلوث… أرقام صادمة
تؤكد بيانات من خبراء بيئيين أن عمليات الاستخراج غير القانونية تفرغ في البيئة ما يقارب: 15 طناً من السيانيد سنوياً. و7 أطنان من الزئبق، وهي مواد شديدة السمية وتبقى في التربة والمياه لعقود.
هذه المواد تلوث ما لا يقل عن 60 كيلومتراً من مجاري الأنهار، وتؤثر على حياة نحو 25 ألف شخص يعتمدون على هذه الموارد المائية للشرب والزراعة وصيد الأسماك.
التأثير على السكان المحليين
أفاد 70% من المنقبين التقليديين الذين تمت مقابلتهم بأنهم فقدوا مصادر رزقهم خلال العامين الماضيين، نتيجة الاستحواذ القسري على مواقع التعدين. كما رُصدت 50 حالة تهجير قسري لعائلات كانت تقيم بالقرب من مناطق الحفر الكبرى.
صمت رسمي مثير للجدل
رغم خطورة الوضع، لم تُسجل إلا 3 عمليات مداهمة أمنية في آخر 24 شهراً، جميعها لم تسفر عن توقيفات كبيرة أو محاكمات ناجحة. منظمات حقوقية تتهم بعض الجهات المحلية بالتواطؤ أو غض الطرف مقابل الحصول على عمولات أو حصص من الذهب المستخرج.
تحذيرات مستقبلية
خبراء يؤكدون أن استمرار هذا النمط من التعدين قد يحوّل لانتونغ وسكوتونغ إلى مناطق غير صالحة للسكن بحلول 2030، إذا لم يتم التدخل فوراً.
التوصيات تشمل:
– سن قوانين أكثر صرامة ضد التعدين غير القانوني.
– إنشاء فرق رقابة بيئية دائمة.
– استثمار جزء من عائدات الذهب في إعادة تأهيل المناطق الملوثة.