في ظل ظروف قاسية لا يعرفها إلا من عاشها يخاطر المئات كل يوم بحياتهم بحثا عن حلم قد لا يتحقق يحاولون عبور الحدود مختبئين في شاحنات بضائع مظلمة خانقة أو تحت أكوام من القمامة بينما يتعرضون للضرب والدهس وحتى عضات كلاب الحراسة قصص مؤلمة ترويها أجسادهم المجروحة وأرواح لم تتحمل الوصول إلى الضفة الأخرى
تهريب الموانىء
تشهد الموانئ الفرنسية ارتفاعا حادا في محاولات المهاجرين التسلل إلى المملكة المتحدة مختبئين داخل شاحنات النقل بعد أن كشفت بيانات حصلت عليها بي بي سي عن تسجيل 5874 محاولة تهريب عبر موانئ كاليه ودونكيرك ونفق المانش خلال عام 2024 مقارنة بـ4794 محاولة في العام السابق.
تقرير بولت
وتأتي هذه الزيادة رغم تشديد الإجراءات الأمنية الفرنسية منذ عام 2016 بعد رصد أكثر من 56 ألف محاولة تهريب عبر الشاحنات في محاولة للحد من هذه الظاهرة التي تتفاقم عاما بعد عام حيث يؤكد تقرير حديث صادر عن مفتش الحدود المستقل ديفيد بولت أن خطر الدخول غير الشرعي عبر الموانئ لا يزال مرتفعا ومستمرا.
الحادثة الأخيرة
لقيت امرأة حتفها الثلاثاء أثناء محاولتها عبور المانش على متن قارب مطاطي. وتمثل هذه الحادثة الوفاة الـ19 منذ بداية العام في المانش. وتأتي هذه المأساة بعد عطلة نهاية أسبوع شهدت عمليات اعتراض عديدة من قِبل فرق الإنقاذ البحري الفرنسية، ووصول أكثر من 700 مهاجر إلى الشواطئ البريطانية.
وأعلنت السلطات الفرنسية وفاة مهاجرة الثلاثاء، 11 إلى 12 أغسطس، على ساحل مقاطعة نورد أثناء محاولتها عبور بحر المانش باتجاه المملكة المتحدة.
الموت فى المانش
ووفقا للمحافظة، وقعت الحادثة أثناء محاولة عبور المانش بـ”قارب تاكسي”، وهو الاسم الذي يُطلق على القوارب المطاطية وشبه الصلبة التي يبلغ طولها بضعة أمتار والتي تنطلق من إحدى القنوات المائية وتتوجه إلى شاطئ البحر ليصعد عليها المهاجرون، مما يؤدي إلى حالات تدافع وإصابات بين المهاجرين، بالإضافة إلى احتمال غرق القارب في البحر.
ولم تتمكن المحافظة بعد من تحديد عمر الضحية أو جنسيتها، لكنها أكدت أنها توفيت على الرغم من “ثلاث محاولات إنعاش، من قبل الشرطة الوطنية والبلدية، ثم من قبل إدارة الطوارئ”. ووفقا لمنظمة مساعدة المهاجرين “يوتوبيا 56″، فإن المرأة في الثلاثينيات من عمرها وتوفيت على شاطئ “مالو” في دونكيرك، أثناء “محاولتها ركوب قارب”.
وهذه هي حالة الوفاة الـ19 لمهاجرين في بحر المانش منذ بداية العام الجاري، وفقا لإحصاء أجرته وكالة الأنباء الفرنسية استنادا إلى بيانات رسمية.
خلفية الأزمة
في عام 2025، تم تسجيل أكبر عدد من المهاجرين الذين دخلوا بريطانيا عبر بحر المانش بقوراب الهجرة غير النظامية حيث بلغ عددهم 25 ألف مهاجر ويُعد هذا الرقم غير مسبوق، إذ تم بلوغه خلال الأشهر السبعة الأولى من العام. وبالمقارنة، فقد تم الوصول إلى هذا العدد تقريبا في عام 2022، لكن في الشهر الثامن من العام.
معدل دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى بريطانيا هذا العام بلغ أعلى مستوياته، متجاوزا الرقم الأعلى الذي تم تسجيله عام 2022 والذي بلغ أيضا 25 ألف لكن في الشهر الثامن من العام. بينما هذه السنة تم الوصول إلى هذا العدد في الشهر السابع.
ويأتي هذا بينما يحاول الوزراء البريطانيون “إعاقة وصول قوارب الهجرة غير النظامية إلى بريطانيا” وكذلك تفكيك عصابات الاتجار بالبشر، ولكن، وعلى الرغم من هذه الإجراءات فإن 898 مهاجر عبروا بحر المانش موزعين على 13 قارب الأربعاء 30 يوليو 2025. ومع عبورهم يكون قد ارتفع عدد المهاجرين في عام 2025 إلى 25.436.
أعداد المهاجرين في تزايد مستمر
أرقام وزارة الداخلية البريطانية تظهر نسبة أرتفاع 51%مقارنة مع العام الماضي، إذ بلغ عدد المهاجرين في الوقت نفسه من السنة الماضية 16.842. أما إذا ما قارنا أعداد المهاجرين هذا العام مع أعداد المهاجرين في عام 2023 فنجد أن نسبة الزيادة تصل إلى 73%.
وفي عام 2022، بلغ للمرة الأولى عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى بريطانيا 25 ألف مهاجر في شهر أغسطس، وكان حينها يعتبر رقما قياسيا، وفي نهاية عام 2022 كان عدد المهاجرين قد بلغ 45.774.
واحد مقابل واحد
وكان قد تم تسجيل هذه الأعداد القياسية للوافدين على الرغم من سلسلة الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الوزراء البريطانيون والفرنسيون خلال فصلي الربيع والصيف والتي كان هدفها الحد من عمليات العبور. وكان موضوع الهجرة ووعود الحد من تدفق المهاجرين هو السبب في نجاح حزب “الإصلاح” البريطاني بزعامة نايجل فاراج، فقد أظهرت استطلاعات الرأي تقدما كبيرا لهذا الحزب بسبب سياسته التي تهدف إلى الحد من الهجرة وكان أيضا حزب الإصلاح قد وجه انتقادات كبيرة لحزب العمال (وهو الحزب الحاكم حاليا في بريطانيا) لفشله في كبح الهجرة غير النظامية.
كما أعلن كير ستارمر رئيس الوزارء البريطاني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اتفاقية لإعادة المهاجرين تقوم على مبدأ واحد مقابل واحد، حيث تُعيد بريطانيا مهاجرين إلى فرنسا مقابل استقبال طالبي اللجوء الذين لديهم روابط بالمملكة المتحدة. ومع ذلك، لم يبدأ العمل بالمرحلة التجريبية لهذا الاتفاق بعد.
إجراءات سياسية متناقضة
في الشهر الماضي، سُمح للشرطة الفرنسية للمرة الأولى باستخدام السكاكين لتمزيق القوارب المطاطية وهي في عرض البحر وأتى هذا القرار بعد نقاشات سياسية في المملكة المتحدة وأيضا بعد فرض وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عقوبات على المتورطين في تهريب المهاجرين عبر بحر المانش.
وتسعى باريس، نتيجة الضغط البريطاني، إلى تعديل قواعد تدخل الشرطة والدرك في البحر من خلال السماح باعتراض قوارب التهريب (المعروفة بـ”تاكسي بوت”) حتى مسافة 300 متر من الساحل، حيث تقوم هذه القوارب بتحميل المهاجرين مباشرة في عرض البحر تفاديا لرقابة الشرطة على الشواطئ.
445 ساحة استقبال
وعلى الجانب البريطاني، كشفت صحيفة الغارديان موخرا أنه حاليا يتم تجهيز 445 مساحة مخصصة لاستقبال طالبي اللجوء الذكور في ويذرسفيلد بمقاطعة إسكس وذلك على الرغم من الوعود السياسية التي تم إعلانها لتقليص عدد المهاجرين القادمين إلى بريطانيا.
الحكومة البريطانية، من جهتها شرحت أسباب تأهيل هذه المساحات الجديدة، فبحسب ما صرح المتحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية فإنه “يتم استخدام جميع الممتلكات أو المواقع التي نملكها وفقًا لتصاريح التخطيط، ونعمل بالتعاون مع السلطات المحلية والجهات المعنية الأخرى لضمان مراجعة وإدارة مرافق الإيواء بشكل مستمر وآمن وفعّال في جميع الأوقات.”
مظاهرات محلية ضد المهاجرين
وشهدت بريطانيا مؤخرا سلسلة من المظاهرات المعادية للمهاجرين آخرها كان أمام أحد الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء وذلك بعد توجيه تهمة لأحد المهاجرين القاطنين في الفندق بمحاولة تقبيل فتاة تبلغ من العمر 14 عاما من دون موافقتها.
وصول 25.400 مهاجر إلى المملكة المتحدة منذ بداية العام
وعلى الرغم من دخول اتفاقية الهجرة الفرنسية البريطانية حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، والتي تهدف إلى ردع العبور غير الشرعي لبحر المانش، إلا أن العديد من المهاجرين يجربون حظهم هذا الصيف، مستغلين ما يعتبره المهربون طقسا ملائما.
وكانت قد أعلنت لندن يوم الخميس الماضي أنها احتجزت أوائل المهاجرين الواصلين إلى شواطئها على متن “قوارب صغيرة” بموجب هذه الاتفاقية.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، في يومي 9 و10 أغسطس، سجّلت المديرية البحرية للقناة وبحر الشمال (بريمار) اعتراض وإنقاذ ما لا يقل عن 122 شخصا، خلال عدة عمليات إنقاذ أثناء محاولتهم الوصول إلى الساحل البريطاني.
على الجانب البريطاني، شهدت عطلة نهاية الأسبوع وصول 716 مهاجرا، على متن سبعة قوارب يوم السبت الماضى، وخمسة قوارب يوم الأحد. تؤكد هذه الأرقام الوضع المتأزم في بحر المانش، حيث بلغت عمليات العبور ذروتها مع وصول أكثر من 5 آلاف مهاجر إلى المملكة المتحدة خلال شهر يوليو المنقضى.
هم ليسوا مجرمين بل ضحايا
ويُعد الصيف عادةً أكثر الأوقات ازدحاما لعبور القوارب الصغيرة لبحر المانش، ولكن مع تسجيل وزارة الداخلية البريطانية أكثر من 25,400 عملية عبور منذ يناير، فإن عام 2025 في طريقه لتحطيم جميع الأرقام القياسية. ووفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، زاد عدد عمليات العبور بنسبة 51% مقارنة بالعام الماضي، وبنسبة 73% مقارنة بعام 2023.
وحتى الآن، كان عام 2022 يحمل الرقم القياسي بـ45,774 وافدا. ولكن في ذلك العام، تم الوصول إلى رقم 25,000 عملية عبور في 27 أغسطس، أي بعد وقت طويل من اليوم.
ودخل الاتفاق الفرنسي البريطاني “واحد مقابل واحد”، الذي تم التوصل إليه لمحاولة وقف هذه المعابر، حيز التنفيذ في الخامس من أغسطس، لكن تفاصيل تنفيذه لم يتم الكشف عنها للصحافة بعد.
